البحتري، قال ابن الرومي، وإذا أورد شيئا لأبي الطيب قال: قال: الشاعر):
ولم يكتف أبو العلاء بأن يقصر هذا الوصف على سميه بل ظلم الناس من أجله، قال ابن خلكان:
(يقال: إن أبا العلاء كان إذا سمع شعر ابن هاني يقول: ما أشبهه إلا برحى تطحن قرونا لأجل القعقعة التي في ألفاظه، ويزعم أنه لا طائل تحت تلك الألفاظ، ولعمري ما أنصفه في هذا المقال، وما حمله على هذا إلا فرط تعصبه للمتنبي. . . وليس في المغاربة من هو في طبقته لا من تقدميهم ولا من متأخر يهم، بل هو أشعرهم على الإطلاق، وهو عندهم كالمتنبي عند المشارقة، وكانا متعاصرين، وإن كان في المتنبي مع أبي تمام من الاختلاف ما فيه).
وإذا أجل نابغة الأدب العربي الطائيين، وقال فيهما في درعية:
مثل وشى (الوليد) لانت وإن كانت (م) ... من الصنع مثل وشي (حبيب)
فابن الحسين عند المعري في مرتبة لا يقاعده فيها أحد.
وإذا قال أبو تمام وأبو الطيب أمثالا وحكما كما يقول البحتري (وما نرويه هو نموذج من كثير):
لولا التباين في الطبائع لم يقم ... بنيان هذا العالم المجبول
ولا تقل أمم شتى ولا فرق ... فالأرض من تربة والناس من رجل
ولم أر أمثال الرجال تفاوتت ... إلى الفضل حتى عد ألف بواحد
تطلب الأكثر في الدنيا وقد ... نبلغ الحاجة فيها بالأقل
ومن يعرف الأيام لا ير خفضها ... نعيما ولا يعدد تصرفها بلوى
صعوبة الرزء تلفى من توقعه ... مستقبلا، وانقضاء الرزء أن يقعا
ينال الفتى ما لم يؤمل، وربما ... أتاحت له الأقدار ما لم يحاذر
ومن الحسرة والحسران أن ... يحبط الأجر على طول العمل
إن المشيَّع لا يبير عدوه ... حتى يكون مشيع الأصحاب
أرى الحلم بؤسي في المعيشة للفتى ... ولا عيش إلا ما حباك به الجهل
واليأس إحدى الراحتين ولن ترى ... تعبا كظن الخائب المكدود