إن التنازع في الرئاسة زلة ... لا تستقال، وذلة لم تنصر!
ما أضعف الإنسان لو همة ... في نبله أو قوة في لبه
وهل خلا الدهر أولاه وآخره ... من قائم بهدى مذ كُوِّن البشر
والعقل من صيغة وتجربة ... شكلان مولوده ومكتسبه
قدره مرتفع عن حظه ... لا يرعكَ الحظ لم يؤخذ بحق
ليس يحلو وجودك الشيء تبغيه (م) التماسا حتى يعز طلابه
يعرف السيف بالضريبة يلقاها (م) بنبي عن الصديق امتحانه
لا أحفل المرء أو تقدمه ... شتى خلال، أشفها أدبه
ولست أعتد للفتى حسبا ... حتى يرى في فعاله حسبه
وما سفه السفيه وإن تعدى ... بأنجع فيك من حلم الحليم
متى أحفظت ذا كرم تخطى ... إليك ببعض أفعال اللئيم
وأرى الإملاق أحجى بالفتى ... من ثراء يطّيبه بالملق
وأصوب رأي في الصنيعة ردُّها ... إلى رجل يغنى غناء رجال
لنا في الدهر آمال طوال ... ترجيها وأعمار قصار
والشعر لمح تكفي إشارته ... وليس بالهذر طولت خطبه
إذا قال أبو تمام والمتنبي مثل هذه الأبيات الحكمية البحترية فهل يقال: (أبو تمام والمتنبي حكيمان وإنما الشاعر البحتري) وليس حبيب بن أوس وأحمد بن الحسين مثل صالح بن عبد القدوس في إكثاره في شعره من الأمثال (التي لو نثرها في شعره وجعل يبنها فصولا من كلامه لسبق أهل زمانه) كما قال الملك الأديب عبد الله بن المعتز في كتابه (البديع).
ويظهر مما نقل إلينا من أقوال المتقدمين في حبيب والمتنبي أن أكثرهم وفيهم ابن الأثير نفسه فارقوا الدنيا ولم يعرفوا هذين الشاعرين، فليست براعة حبيب في أنه (غير مدافع عن مقام الأغراب الذي برز فيه على الإضراب) وليست فضيلة المتنبي في أنه (حظي في شعره بالحكم والأمثال، واختص بالإبداع في وصف مواقف القتال) كما يقول ابن الأثير فيهما.
وللرضي هذا القول الموجز في شعر الثلاثة: