السبأيون والحميريون يميزون بين الحضر من أهل المدينة وبين سكنة البادية وهم (الأعراب).
فكانوا يسمون الحضر بأسماء الأماكن التي يسكنونها أو بأسماء أجدادهم وقبائلهم فيقولون (بنو فلان). وأما سكنة البادية فكانوا يطلقون عليهم بصورة عامة (أعراب) وينسبونهم إلى المحل الذي يقيمون فيه فيقولون (أعراب تهامة) و (أعراب مأرب) وما شابه ذلك.
وبالنظر إلى عدم العثور على نصوص غربية قديمة كثيرة نستطيع بواسطتها معرفة آراء العرب أنفسهم في هذه التسميات فإننا لا نستطيع إبداء رأي حاسم فيما ذكرناه من تسميات أطلقها الأجانب على العرب. وعلى كل فإن هذه التسميات على ما يظهر كانت خاصة بعرب الشمال الذين كانا بطبيعة الحال على اتصال مباشر بتلك الشعوب الغربية. فهي علامات فارقة كانت تميز تلك القبائل عن القبائل السامية الأخرى.
إن القبائل البدوية والقبائل التي هي على شئ من حياة البداوة لا تعرف عادة من معاني القومية والجنسية إلا معنى القومية القبلية. فالقبيلة في نظر البدوي هي الحكومة وهي القومية وهي الجنس وهي كل شئ. والأرض التي تقيم فيها القبيلة هي الوطن يرتبط به ما دامت القبيلة فيه فإذا انتقلت القبيلة إلى أرض أخرى كانت الأرض الجديدة هي الوطن الجديد الذي يدافع عنه ويجود بنفسه في سبيله. ورابطة القبيلة هي الجنسية الوحيدة فيما بين القبائل وهي التابعية. وعلى قدر منزلة القبيلة تكون منزلة التابعية وقوة نفوذها في عالم القبائل السياسي.
وعلى الرغم من اشتباك القبائل في وحدة الجنس ووحدة الأصل فإنها لم تكن تشعر في معاملاتها الخاصة هذا الشعور. فكانت تنظر الواحدة إلى الأخرى نظرتها إلى شعب غريب فتتحارب وتتقاتل فيما بينها وترتبط مع الأجانب وتحارب معهم ضد قبيلة أخرى من أبناء جنسها. ولكن ضرورة التنقل من مكان إلى مكان أجبرت القبائل العربية على تكوين حلف فيما بينها وعلى الارتباط برباط العصبية. فصار هنالك حلف القبائل
وهذا الشعور هو الذي ألف بين القبائل وجعلها كتلة قوية تصد عادية المعتدين. فظهر امرؤ القيس بن عمرو الذي ورد ذكره في حجر نمارة النفيس في الجنوب الشرقي من دمشق والمؤرخ في عام ٢٣٨ للميلاد الموافق ليوم ٧ بكسلول من سنة ٢٢٣.