للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأسماك البحرية من سرعة نموها إلى أمكنة توالدها إلى هجرتها.

لقد كان حديثنا حتى الآن عن السمك نفسه تلك الوحدة الحية التي ليست سوى جزء من كل. وهذا الكل هو الوسط الذي يعيش فيه الأسماك ولها به صلات وثيقة، لذا كانت دراسة هذا الوسط تعادل في الأهمية دراسة السمك نفسه، هذا الوسط متجانس ظاهراً. ولكن كم من العوامل تجعل من هذا التجانس الظاهر اختلافات عديدة، ومن الطبيعي أن يتأثر المخلوق المائي بتلك العوامل، لقد كانت جميع المخلوقات في ظلام التاريخ الجيولوجي تعيش في الماء مرنة التكوين سهلة التأثر بالعوامل المحيطة، وقد احتفظت المخلوقات التي لا تزال تعيش في الوسط المائي بتلك المرونة التكوينية التي كانت الأصل في تعدد الأنواع، ودراسة الوسط المائي دراسة تفصيلية تلقي ضوءا جديدا على عوامل التطور.

على أن لهذه الدراسة أهميتها العملية، فالوسط المائي يشطر أعمال الأخصائي شطرين: بيولوجيا المياه البحرية، وبيولوجيا المياه العذبة، وقد يتصل الشطران إذ يختلط وسط آخر كما يحدث ذلك في بحيراتنا الساحلية، أو يختلط بحران من تكوين وطبيعة مختلفين كما حدث ذلك بحفر قناة السويس.

ما منشأ اختلافات المياه العديدة والماء وسط متجانس؟ أولها وأهمها وجود المواد الذائبة فيه، وينشأ عن وجود هذه المواد ظواهر كيميائية طبيعية أهمها (الأسموز) ومن أظهر المواد الذائبة في البحار كلورو الصوديوم. والمخلوق المائي يعيش في حالة توازن كيميائي طبيعي مع الوسط المحيط به، ولقوة الأسموز اليد الطولي في هذا التوازن، فإذا نقلنا سمكة من اسماك الماء العذب إلى البحر اختل هذا التوازن، وعجزت السمكة عن مقاومة هذا الاختلال طويلا ثم ماتت. وكذا العكس.

على أن هناك غير قليل من الأسماك دخلت من البحر إلى البحيرات الساحلية، وتعودت مياها اقل ملوحة من مياه البحر، بل قد تصل في عذوبتها إلى ما يدنيها من مياه الأنهار. بل هناك أسماك تتحمل الحياة في الماء العذب والبحر على السواء. على أن تلك الأسماك البحرية التي تعودت الحياة في الماء العذب أو الأجاج تدفعها فطرتها إلى العودة إلى البحر لتفرخ. وإذا أمتنع عليها الوصول إلى البحر أصابها العقم، وتلك حالة ثعابين السمك (الأنقليس) والبوري والطوبار من أسماكنا المصرية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>