للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في حفره.

فلما بلغ جيش المشركين واليهود المدينة وجدوا حولها هذا الخندق، فضربوا حولها حصاراً شديدا، كان حي بني أخطب سيد بني النضير قد وعد قريشاً إذا أجابته أن يحمل بني قريظة على نقض عهد المسلمين، فطلب منه أبو سفيان بن حرب قائد جيش المشركين أن يقوم بوعده، فذهب إلى كعب بن أسد سيد بني قريظة وقال له: ويحك يا كعب! جئتك بعز الدهر، وببحرٍ طام. جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من دومة، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذَنبِ نقمى إلى جانب أُحد، قد عاهدوني وعاقدوني على ألا يبرحوا حتى نستأصل محمداً ومن معه.

فقال له كعب: جئني والله بذل الدهر، وبجهام قد هراق ماءه، فهو يرعد ويبرق ليس فيه شئ. ويحك يا حيي، فدعني وما أنا عليه، فأني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء.

وهذه شهادة لها قيمتها من كعب سيد بني قريظة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان محافظاً على عهده مع اليهود، ولم يحدث منه خروج عليه؛ ولكن حيي بن أخطب لم يزل بكعب حتى حمله على نقض ذلك العهد، بعد أن عاهده على أنه إن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمداً أن يدخل معه في حصنه حتى يصيبه ما يصيبه.

فانضم كعب بذلك إلى أعداء وطنه، ونسي هو وقومه جميل الإسلام عليهم، وأنهم كانوا أذلاء في هذا الوطن فرفعهم الإسلام وأعزهم. وقد وقع المسلمون بذلك في أكبر محنة، وزاد في محنتهم أن المنافقين من الأوس والخزرج رفعوا أيضاً رؤوسهم، وأخذوا يتفلتون من صفوف القتال إلى بيوتهم بأعذار واهية، ليُفتوا في عضد المسلمين، ويحملوهم على الفرار مثلهم، ولولا أن تدارك الله المسلمين بلطفه لقضت عليهم تلك الخيانة الآثمة، وتمكن أعداؤهم من استئصالهم، فقد قابل النبي صلى الله عليه وسلم والمخلصون من المسلمين تلك الصدمة بشجاعة فائقة، وهدى الله بعض زعماء المشركين إلى الإسلام، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتم إسلامه عنهم، ويعمل على تفريق كلمتهم، فعمل على ذلك حتى أوقع الخلف بينهم. وما هي إلا ليلة مظلمة أرسل الله فيها ريحاً شديدة باردة، فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح آنيتهم، فوقع في قلوبهم الرعب، وأجمعوا أمرهم على الرحيل قبل أن يصبح الصباح، ويتنبه لذلك المسلمون.

<<  <  ج:
ص:  >  >>