وهنالك وقع بنو قريظة في شر ما فعلوا، وصاروا وحدهم أمام المسلمين الذين نقضوا عهدهم، فاجتمعوا بحصونهم وأغلقوها عليهم، وحاصرهم المسلمون فيها خمساً وعشرين ليلة، حتى ادركهم اليأس، وطلبوا أن ينزلوا على ما نزل عليه بنو النضير من الجلاء بالأموال وترك السلاح، فلم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منهم، فطلبوا أن يجلوا بأنفسهم فلم يرض أيضاً، بل قال لرسلهم: لابد من النزول والرضا بما يحكم عليهم خيراً كان أو شراً. فلما رأوا أنه لابد لهم من النزول على حكمه فعلوا، فأمر برجالهم فكُتِفُوا.
ثم جاء وقت النظر في قضيتهم، فقام بالدفاع عنهم رجال من حلفائهم من الأوس، وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم كما عامل بني قينقاع حلفاء إخوانهم الخزرج، فلم يمكنهم أن ينكروا جنايتهم، ولكنهم طلبوا تخفيف الحكم عليهم، وقد فاتهم أن جناية بني قريظة ليست كجناية بني قينقاع، حتى يصح قياسهم، ويكون الحكم في الجنايتين واحداً.
لقد كانت جناية بني قينقاع محاولة الدس والتفريق بين المسلمين، فكان عقابهم أن ينفوا من بينهم اتقاء لشرهم، أما جناية بني قريظة فارتكاب الخيانة العظمى مع إخوانهم في الوطن، بالانضمام إلى الأعداء الذين يريدون استئصالهم والقضاء عليهم، فخانوا بذلك وطنهم أكبر خيانة، بل خانوا دينهم حينما آثروا أن ينضموا إلى المشركين على المسلمين، مع أن المسلمين أهل توحيد مثلهم، فهم بذلك ينصرون الشرك على التوحيد، ويساعدون الكفر على الإيمان، وهذا هو ما أشار إليه القرآن الكريم في الآيتين - ٨٠، ٨١ - من سورة المائدة (ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي) أي موسى عليه السلام (ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون).
فلا يمكن بعد هذا كله أن تكون عقوبة بني قريظة كما طلب أولئك الذين تولوا الدفاع عنهم من رجال الأوس، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم رأى من السياسة ألا يتولى هو الحكم عليهم، فقال لمن تولى الدفاع عنهم من حلفائهم: ألا يرضيكم أن يحكم عليهم رجل منكم. فقالوا: نعم. فأباح لهم أن يختاروا من يشاءون منهم للحكم عليهم، فاختاروا سيد الأوس سعد بن معاذ.
وكان سعد جريحاً من سهم أصيب به في غزوة الخندق، وقد أقام بخيمة في المسجد مُعَدَّة