للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأما قول المفضل، وقول يونس بنَ حبيب، فإننا نقف منهما موقف الحذر. فقد كان المفضل معاصراً لحماد، وكذلك كان يونس ابن حبيب. والمرء لا ينصف معاصره، في أغلب الأحيان؛ ولا سيما إذا كانا من صناعة واحدة. بل إننا حين نقرأ قول المفضل: قد سُلِّط على الشعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبداً، ثم نقرأ قول من سأله: وكيف ذلك؟ يخطر ببالنا هذا السؤال: إذا كان حماد معروفاً في عصره بكثرة الانتحال، فلماذا سأل السائلُ المفضل واستفسره؟

وأما قول خلف وقول الأصمعي، فإننا نقف منهما موقف الارتياب، فقد كان معاصراً لحماد، وكذلك كان الأصمعي. ثم إنهما كانا بصريين؛ وما كان لبصريّ أن ينصف كوفيا كحماد، إلا إذا كان في خلال أبي عمرو بن العلاء. وليس هنا مكان الحديث عما كان بين الكوفة والبصرة، في مجال العلم والأدب، من تنابذ وتخاصم وصراع. هذا إلى أن خلف الأحمر كان منتحلا، ذاع ذلك عنه، واعترف هو به؛ وذلك أنه نسك في أخريات أيامه وترك الشعر والكلام، فخرج إلى أهل الكوفة، وعرفهم الأشعار التي أدخلها في أشعار الناس.

وأما ما ذكره السيوطي من قول أبي حاتم، فإننا نقف منه موقف الشك. ذلك لأننا لم نقف عليه إلا لدى السيوطي، وهو متأخر. هذا إلى أن أبا حاتم بصري، لا يؤخذ بقوله في حماد إن صح منه هذا القول.

وأما ما يقوله ابن سلام في حماد من أنه كان غير موثوق به، فقد سمعه من غيره، ولم يبنه على تجربته. وذلك لأنه لم يشهد أيام حماد، ولم يتقدم به الزمن ليرى كذبة وانتحاله. فقد سمع هذا إذاً من غيره، ثم دونه في كتابه، وهو يعلم أنه يتهم عالماً كوفياً. وكان ابن سلام من علماء البصرة.

٢ - تمحيص أخبار انتحاله

نبدأ بتمحيص قصة حماد مع الخليفة المهدي. فنعيد ما قلناه في صدد حياة حماد من أنه لم يدرك عصر المهدي في أغلب الظن، فقد توفي سنة ١٥٦هـ كما يقول ابن النديم، أو سنة ١٥٥هـ كما يقول ياقوت وابن خلكان، بينما أن المهدي تولى الخلافة سنة ١٥٨هـ. ونعيد ما قلناه من أن الرواية التي يشير إليها ابن خلكان إذ يقول (وقيل إنه توفي في خلافة

<<  <  ج:
ص:  >  >>