لم تدمع دمعة واحدة، ولا أحب أن يسيل الدمع مني، ولا أرضى أن أعمل معك عملا لا فائدة فيه، لذلك سأذهب إلى حفلة الغناء والرقص أغني فيها غناء السرور وأرقص رقصة جميلة)
ولما رأى الرجل الباحث أن الرجل المتفائل لا يرضى أن يبحث معه عن الدمع فارقه واستمر في عمله، ووقف الرجل المتفائل يضحك من هذا الرجل ضحكاً عميقاً على حمقه وسفهه، ثم ذهب إلى مكان السرور، وشغل فيه باللهو والغناء
ولم يجد الرجل الدمع في تلك الأمكنة، فغير رأيه وذهب إلى مكان مزدحم بالناس بحثاً بينهم عن الدمع، فوقف بجانب شارع، وألفى السيارات تسير فيه أسرع من الريح، تأتيه فجأة وتروح لا يكاد يشعر بها، ورأى المارين في الشارع يضطربون اضطراباً شديداً، وينظرون تارة إلى الأمام وتارة إلى الخلف وهو خائفون من السيارت أن تمزق أبدانهم، ووجد البغال تجر العربات الكبية المحملة بالفحم هزيلة الأجسام كأن اللحم لا يوجد فيها، والعرق المتصبب منها بلل شعورها السوداء، وكلما خطت خطوة كادت تقع على الأرض فتجد قوتها في كل خطوة وتذهب بذهابها؛ وهكذا مشت إلى الأمام تغمض عيونها بعض إغماض، وأما سواقوها، فقد ملأ غبار الفحم وجوههم وجعلها سوداء فاحمة، وكأن عيونهم مغمضة، وأصبحت شفاههم حمراء مخيفة، ورأى الرجل من ناحية أخرى رجالا يجرون (العربات اليابانية) التي يركبها الناس يعدون كالخيل ويمسكون بأيديهم أذرع العربات، ويطوون أرجلهم في العدو حتى تكاد تصل إلى أعجازهم ويرفعون أعضادهم كما ترفع الطيور أجنحتها، وإذا اتفق أن هاجت الريح بالتراب وألقته في وجوههم فيدخل أنوفهم وأفواههم، يتنفسون بأصوات عالية خشنة كأنها البخار يخرج من أنابيبه ويتفصد العرق من وجوههم، ولا تسمح الظروف لهم أن يمسحوه عنهم، وإنما يسيل بنفسه إلى الأرض ويتلاشى في الرمل والتراب
فقال الرجل لنفسه:(لعل هنا دمع العطف والرحمة). ولكنه حين بحث عنه بحثاً دقيقاً لم يجد قطرة منه ونظر إلى سائقي السيارات والماشين والبغال وسائقي عربات الفحم وجارِّي العربات اليابانية والجالسين عليها فإذا عيونهم جامدة لا تبض بدمعة فغادر ذلك الشارع خائب الأمل.