من اليهود. وكتب إليَّ السُّدى، وهو مقيم هناك في أمريكا، أن موقف الرئيس ترومان الذي كان ادَّعاهُ من إيثار العقل على الهوى في هذا الأمر، إنما كان حيلة مخبوءة أراد بها أن يغرر بالبلاد العربية والإسلامية، ثم يفاجئها بحقيقته. وهو في ذلك إنما يعمل للظفر بمعونة اليهود في الانتخاب الآتي للرياسة. ولما كان هواه هو الذي يُصرّفه، فقد علم أنه طامع في الرياسة حريص عليها، وأن اليهود في أمريكا هم أهل المال، أي أهل السلطان، أي هم الأنصار الذي إذا خذلوه فقد ضاع. قال السدّي: وقد سمعت بعض أهل العقل والرأي في أمريكا يستنكرون ما كان منه ومن قرار مجلسيه، ويرون أن الديمقراطية اليوم قد صارت كلمة يراد بها التدليس على عقول البشر، ليبلغ بها القوي مأربه من الضعيف المغرور بهذه الرقية الساحرة التي يدندنون بها في الآذان. وقد أخبرني الثقة أن الرئيس ترومان قد أوحى إليه بعض بطانة السوء أن العرب والمسلمين قومٌ أهل غفلة، وأن دينهم يأمرهم بالصبر ويلح فيه، فهم لا يلبثون أن يستكينوا للأمر إذا وقع، ولا يجدون في أنفسهم قوة على تغييره أو الانتفاض عليه، وأن الزمن إذا تطاول عليهم في شيء ألفوه ولم ينكروه. فإذا دام دخول اليهود فلسطين، وبقى الأمر مسنداً إلى الدولة المنتدبة (وهي بريطانيا)، وانفسح لحمقى اليهود مجال الدعوى والعمل والتبجح، وألح على العرب دائماً إجماع الدنيا كلها (أي الديمقراطية) بأن الدولة اليهودية في فلسطين حقيقة ينبغي أن تكون وأن تتم كما أراد الله، فيومئذ يلقى العرب السَّلم، ولا يزالون مختلفين حتى ينشأ نشئهم على إلف شيء قد صبر عليه آباؤه، فلا يكون لأحد منهم أدنى همة في تغيير ما أراد الله أن يكون، مما صبر عليه آباؤهم وأسلافهم - وهم عند العرب والمسلمين - أهلُ القدوة.
وفي هذه السنة كتب إليَّ السُّدّي أيضاً يقول أنه لقي أحد كبار الدعاة من اليهود، وكان لا يعرفه، فحدثه عن أمر اليهود في فلسطين، فقال له الداعي اليهودي: لا تُرَع، فنحن لا بدّ منتهون إلى ما أردنا، رضى العرب أم أبوْا. وما ظنُّك بقوم كالعرب خير الحياة عندهم النساء، وقد قال نبيهم:(حُبِّبَ إليَّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلتْ قُرَّة عيني في الصلاة)، ولقد سلطنا عليهم بنات صهيون، وهن من تعلم جمالاً ورقة، وأبداناً تجري الحياة فيها كأنها نبع صافٍ يتفجر من صفاة شفافة كالبلَّور. وهن بنات صهيون دلال وفتنة، وعطر يساور القلوب فيسكرها ويذهلها ثم يغرقها في لذة يضن المرء بنفسه أن يصحو من