للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والاستعظام، ليدور بك هنيهة حول الموضوع، ما دامت مواجهته غير مستطاعة!

(كذبت ثمود وعاد بالقارعة)!

إنك لا تدري ما الحاقة. . . فهي القارعة!. . .

أحسست وقعها في حسك، وقرعها في نفسك!. . . إن عاداً وثمود كذبوا بهذه القارعة! فماذا كان؟ (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية، وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية. . .) والطاغية - على ما في أسمها من سورة الطغيان عليهم وغرمهم وتغطيتهم - وكذلك الريح الصرصر العاتية، كلتاهما أخف من القارعة، ولكن لعلهما تُقربان إلى حسك هذه القارعة، فهما من جنسها ونوعها. وهكذا قضى على عاد وثمود في هذه الدنيا، قضى عليهما بطرف من تلك الحاقة ومن هذه القارعة، فإذا عجز إدراكك وهو عاجز - عن تصور الحاقة، فإليك نموذجاً مصغراً منها في الصيحة الطاغية وفي الريح العاتية، فهما من مشاهدات هذه الحياة الدنيا، وإن نضح اسمهما ووصفهما هولاً! هولاً تنقله إلى حسّك هذه الصورة المروّعة: صورة العاصفة مزمجرة مدوية سبع ليال وثمانية أيام؛ وصورة القوم فيها (صرعى كأنهم إعجاز نخل خاوية) وإنك لتراهم الآن فالصورة حاضرة - (فترى القوم فيها صرعى. . .) - (فهل ترى لهم من باقية)؟ كلا لا باقية ولا أثر؛ فلتتعظ إذن وتعتبر، وليخشع حسك للهول، ولتتفتح نفسك للإيمان بالغيب المجهول.

ثم إليك مشهداً آخر لعله يقرب إلى حسك روعة الحاقة وهول القارعة. إن فرعون ومن قبله وقُرى قوم لوط المعروفة قد جاءوا بالفعلة الخاطئة. . . جاءوا بها فكأنما هي شيء محسوس أو كائن حي يُجاء به، فهي شاخصة محسوسة حين ارتكبوها. (فعصوا رسول ربهم)، وهم رسل متعددون ولكنهم بمثابة الرسول الواحد، فجميعهم يحمل رسالة واحدة من عند إله واحد - (فأخذهم أخذة رابيه) والأخذة هنا (رابية) ليتم التناسق بينها وبين (الطاغية) فكلاهما تربى وتطغى، وتغطى وتغمر. والتناسق في المناظر ملحوظ في اللوحة الكبرى.

وما دمنا بصدد استعراض المشاهد الهائلة، والروائع الغامرة، فمشهد الطوفان إذاً يتسق مع هذا الاستعراض كلُّ الاتساق؛ (إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية) لتكون هذه الحادثة عبرة تذكرونها وتعيها الآذان الواعية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>