مه يا قريش الحمقاء، إنك لا تعرفين من هو (محمد)، ولا تدرين ما رسالته! مه يا قريش، دعيه يمر، إن في يثرب أنصاراً له ينتظرونه، إن وراء الرمال، في بلاد الظل والماء، شعوباً ترقب مجيء النبي، قد علقت به آمالها، ونفد في ترقبه صبرها! إن وراء القرن السابع أمماً لا تزال في أحشاء الغيب تنتظر النبي، فهل حسبت قريش أن في الغار رجلين اثنين؟ إن فيه أمل الدنيا، فيه رحمة اللهللعالمين، فيا لجهالة قريش حين تريد أن تمنع رحمة الله عن العالمين!
أتعرفون ماذا صنع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟
وجد العرب قبائل وبطوناً: لكل قبيلة عالم، ولكل بطن دين، آلهتهم شتى، وأربابهم أصنام، همهم سيف يجرد، أو جمل ينحر، يأكل بعضهم بعضاً: فبكر تحارب تغلباً، وعبس وذبيان، واليمن ومضر، لهم ملوك في مشارف الشام وأطراف العراق، ولكن ملوكهم خول لكسرى وقيصر، يقتلون إخوانهم في العروبة في سبيل الأجنبي!
وجد في مكة، وهي حاضرة العرب، ودارة قريش، بضعة عشر يقرأون ويكتبون، وسائر أهلها أميين، ووجد علماء العرب هم الكهان والشعراء، أولئك يسجعون فيهرفون بما لا يعرفون، وهؤلاء يشبّبون ويمدحون ويذمون!
أفبهؤلاء يصلح العلم الفاسد؟ إنه لموقف يؤيس العظيم، ولكن (محمداً) لا يعرف اليأس أبداً، ولا يعرفه أتباع (محمد)!
إنه يريد أن ينشئ من الأمة المشركة المتفرقة الجاهلة، أمة واحدة مؤمنة عالمة، فليصنع كما يصنع البنّاء: يضع الحجر على الحجر، فيكون جداراً، وكذلك فعل (محمد): بنى أمة صغيرة من ثلاثة، من رجل وامرأة وصبي، من أبي بكر وخديجة وعلي، فكانت نواة هذه الأمة الضخمة التي ملأت بعدُ الأرض، وكان أسلوباً يخلق احتذاؤه بكل مصلح. ثم صار المسلمون عشرة، ثمتموا أربعين، فخرجوا يعلنون الإسلام بمظاهرة لم تكن عظيمة بعددها ولا بأعلامها وهتافها، ولكنها عظيمة بغايتها ومعناها، عظيمة بأثرها، عظيمة بمن مشى فيها: محمد وأبو بكر وعمر وعلي وحمزة، أربعون لولا محمد لعاشوا ولماتوا منكرين مجهولين، فلما لامسوه وأخذوا من نوره، وسرت فيهم روح من عظمته، صاروا من أعلام