الحضارة على مشاكلها والناس في قلقهم والأفكار في اضطرابها وتتضاعف متاعب الإنسان وتزيد تعقيداً فلا يخرج من فوضى ألا ويجابه فوضى أشد وأنكى فلا راحة ولا أمان، ولا سلام ولا اطمئنان.
وعلى هذا فالعلم وحده لا يكفي لوضع حد لشرور العالم وآثامه، والعلم وحده لا يكفي للخلاص من الصعاب المحيطة به من كلُّ جانب يجب أن يقوم العلم على عناصر روحية ومعنوية تعلى من شأن المثل العليا والأخلاق الفاضلة كما يجب أن تقوم الحضارة على المعنويات وتوفق بين العلم والروح كما تلائم بين العقل والقلب. والحياة لا تكون آمنة يسودها رحمة وسلام إذا طغى العلم على الأرواح والأوضاع، بل إنها لا تكون نامية رائعة إذا لم تسر على وحي القلوب ولن يستطيع الإنسان أن يرد عن الحياة والآثام والشرور والمفاسد إذا حكَّم العلم وحده منصرفاً عن معاني الخير والجمال.
والعيش لا يصفو في جو مادي تفرغ فيه القلوب وتمتلأ به الجيوب، والأعصاب لا تهدأ وهي عرضة للنزعات التي تذكيها المادية! وهل لحياة قيمة بل هل يكون لها روعة إذا بعدت عن المعنويات وهزأت بالروحيات؟.
إن العلم قد وضع في أيدينا قوة عظيمة إذا لم نحطها بسياجمن الخلق والروح انقلب إلى قوة هدامة مدمرة وعلى المعاهد والمفكرين أن يعملوا على حفظ هذه القوة ضمن هذا السياج لتجني منها الإنسانية قوى الخير والبناء والأثمار.
وعلى المفكرين والمعاهد أن يحاولوا المساهمة في هذا السبيل ويسيروا بجهودهم في طريق إدماج العلم في أغراض الروح العليا حتى يعرف النشء كيف يعيشون وكيف يقومون بواجبهم ويؤدون رسالاتهم بنفحات روحية وعلى أساس من الخلق متين.
يهمنا ألا يغتر النشء بهذه الحضارة وأن لا يسير وراءها دون روية وتمحيص، وأن لا يأخذوا بآراء القائلين بالسير مع المدنية والانغماس في ماديتها ونبذ التقاليد الشرقية والعربية وقطع كلُّصلة بالماضي.
يظن كثيرون من الشباب أن قطعة صغيرة من طائرة أو سيارة أفضل لنا من كلُّ ما ورثناه من خلق ومعنويات وتراث روحي خالد.
لقد شطَّ الفكر. انظروا إلى أوربا فعندها الاختراع وعندها الآلات، وعندما المصانع