أطال الله بقاء سيدنا نسيم يتضوع، وللذكاء نار تشرق وتلمع، فقد فغمنا على بعد الدار أرج أدبه، ومحا الليل عنا ذكاؤه بتلهبه) وبرسالة (الاغريض)(لما أنفذ إليه مختصر إصلاح المنطق الذي ألفه وفيها وصف المختصر) وأولها: (بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكِ أيتها الحكمة المغربية والألفاظ العربية، أي هواء رقاكِ، وأي غيث سقاكِ).
قال العلامة الدكتور عبد الوهاب عزام في مبحثه (لزوم ما لا يلزم متى نظم وكيف نظم ورتب):
(كان أبو القاسم المغربي الوزير ممن أقام بالمعرة، وكان يواد المعري ويراسله، وكان المعري يحفظ له ولأبيه من قبل أياديه، فلما توفى رثاه بأبيات مثبتة في اللزوميات، ولا أعرف رثاء لغيره أو مدحاً صريحاً) وروى العميد اللزومية وهي سبعة أبيات ثم قال: (وهذا الوزير توفى سنة ٤١٨. فهذه القطعة نظمت في هذه السنة).
قلت: ورد في ختامها هذا البيت:
إن يخط الذنب اليسير حفيظاك ... فكم من فضيلة محا يه
وإني أرى أن البيت يشير إلى شيء لم يذكر في (إرشاد الأريب) ولا في (وفيات الأعيان) ولم يشر إليه. وفي شرح النهج لأبن أبي الحديد حديث عن الوزير المغربي فيه ما ليس في ذينك الكتابين، ومنه تعرف تلك الإشارة. وأن يذكر (الشيخ) ذنب الرجل - وإن صغره وقال بعده ما قال - براعة منه وإنصاف بأعلامه أن هناك مأثماً. وقل:(إنه كان حوبا كبيرا).
قال ابن أبي الحديد: حدثني أبو جعفر يحي بن محمد بن زيد العلوي نقيب البصرة قال: لما قدم أبو القاسم علي بن الحسين المغربي من مصر إلى بغداد استكتبه شرف الدولة أبو علي بن بوية وهو يومئذ سلطان الحضرة وأمير الأمراء بها والقادر خليفة. ففسدت الحال بينه وبين القادر، واتفق لأبي القاسم المغربي أعداء سود أوحشوا القادر منه، وأوهموه أنه مع شرف الدولة في القبض عليه وخلعه من الخلافة، فأطلق لسانه في ذكره بالقبيح، وأوصل القول فيه والشكوى منه، ونسبه إلى الرفض وسب السلف وإلى كفران النعمة وأنه هرب من يد الحاكم صاحب مصر بعد إحسانه إليه. قال النقيب أبو جعفر (رحمه الله تعالى) فأما الرفض فنعم، وأما إحسان الحاكم إليه فلا، كان الحاكم قتل أباه وعمه وأخاً من إخوته،