وأفلت منه أبو القاسم بجريمة الذقن، ولو ظفر به لألحقه بهم. وكان أبو القاسم المغربي ينسب في الأزد ويتعصب لقحطان على عدنان وللأنصار على قريش، وكان غالياً في ذلك مع تشيعه. وكان أديباً فاضلاً شاعراً مترسلا وكثير الفنون عالماً. وانحدر مع شرف الدولة إلى واسط فاتفق أن حصل بيد القادر كتاب بخطه شبه مجموع. . . أتحفه به من كان يشنأ أبا القاسم ويريد كيده، فوجد القادر في ذلك المجموع قصيدة من شعره فيها تعصب شديد للأنصار على المهاجرين حتى خرج إلى نوع من الإلحاد والزندقة لإفراط غلوه، وفيها تصريح بالرفض مع ذلك، فوجدها القادر تمرة الغراب، وأبرزها إلى ديوان الخلافة فقرئ المجموع والقصيدة بمحضر من أعيان الناس من الأشراف والقضاة والمعدلين والفقهاء، ويشهد أكثرهم أنه خطه وأنهم يعرفونه كما يعرفون وجهه، وأمر بمكاتبة شرف الدولة بذلك، فإلى أن وصل الكتاب إلى شرف الدولة بما جرى اتصل الخبر بأبي القاسم فهرب ليلا. . . وكنت برهة أسأل النقيب أبا جعفر عن القصيدة وهو يدافعني بها حتى أملاها علي بعد حين، وقد أوردت هنا بعضها لأني لم أستجز ولم أستحل إيرادها على وجهها.
وروى أبن أبي الحديد من القصيدة سبعة وعشرين بيتاً. ثم قال: فهذه الأبيات هي نظيف القصيدة التقطناها وحذفنا الفاحش، وفي الملتقط المذكور أيضاً ما لا يجوز. . .
قلت: أجتزئ برواية هذا البيت من النظيف الملتقط. . .:
والفضل ليس بنافع أربابه ... إلا بمسعدة من الأقدار
ج١٦ص٣٠٣:. . . فإن من سلك الجدد أمن العثار، وسلم من سالِم النقع المثار.
وجاء في الشرح: المثار: المهاج المتطاير في الهواء.
قلت: وسلم من سالم النقع المثار. وقد فسر المثار بالمهاج. والذي جاء في اللغة في هذا المعنى هو ما ذكره الأساس:(هاج الغبار، وهاجه وهيجه) فهو مهيج ومهيّج، وهاج يتعدى ولا يتعدى. و (أهاجه أيبسه) كما في القاموس، وفي اللسان:(أهاجت الريح النبت أيبسته) ومثل ذلك في التاج. وفي (الضياء) للشيخ اليازجي: (ويقولون: أهاجه الغضب، والصواب في ذلك التجريد).
ج١٠ص٩٠: وكان سبب تقدمه ونواله الأمارة.
وجاء في الشرح: النوال العطاء واستعمله هنا بمعنى النيل.