هي الجنةُ الأولى ولستُ بتائه ... فهذى مغانيها وتلك ملاعبي
رجعنا إليها بعدهمّ وغُربة ... وبعد ملمّات أشبن ذوائبي
وهأنا فيها لا ضميري ضاحك ... ولا أملي بين الرياض بواثبِ
على بابها الميمون ظلُّ كآبةٍ ... وفي الساحة الكبرى عبيرُ النوائبِ
وأشهى جناها ليس فيه مذاقهُ ... وكوثرها - لا كان - جمُّ الشوائبِ
وأشجارها الموتى غصون تهدَّلت ... وكانت عناقيد الثمار الأطايبِ
وأزهارها صفرٌ عليها مَذَلةٌٌ ... وأطيارها مبحوحة كالنوادبِ
وما كان منها دافقاً رُدَّ ماؤه ... وصاخبها أمسى وليس بصاخبِ
مرابعها جفَّت وراحت أجادبا ... وكانت مزاراً للحيا والسواكبِ
خمائلها محزونةٌ وسماؤها ... تميلُ بأشباه النجوم الغواربِ
ومالت أعاليها وزارت رُبوعها ... عواصف شتى بين ساف وحاصبِ
تحوَّل عنها أهلها وتناوحَت ... بأبهى مجاليها ظِماءُ النواعبِ
وجوهٌ كأحداث الزمان مخيفةٌ ... أطلت عليها من قصور خواربِ
وتلك التي بالأمس كنا نُريدها ... ونسأل عنها كلَّ آتٍ وذاهبِ
هي الجنة الأولى وكنتُ أمامها ... أحس بأن الكون بين جوانبي
وأشهدُ آفاقاً كباراً وعالماً ... عرفتُ به قلبي وأولى عجائبي
ونادمتُ أشواقي هناك مواسماً ... أجِدُّ وألهو بالظنون اللواعبِ
وأرسلتُ أحلامي وراء غُيُوبه ... أخاف وأرجو مُبهمات العواقبِ
وفي النفس أهواء وفيها مواجد ... وفيها تهاويلٌ سدَدْن مذاهبي
وفيها تسابيحٌ لعرش أظلَّني ... وفكَّ قيودي واستفزَّ مواهبي
وألهمني حتى كأني مُنَوَّمٌ ... أزال حجاب السرعن كل غائبِ
وأنطقني حتى لخْلتُ أضالعي ... ستعلن أسراري وتُفشي مآربي
وأسكتَني حتى تجمَّد خاطري ... وماتت بأعراقِ اللسان غرائبي
وغيَّر حالاتي وصفَّى مشاعري ... أحس كمخدور وأهذي كشاربِ
وأغرى بأسباب الحياة نوازعي ... وحرَّكَ أوهامي وأذكى رغائبي