تهامة، بين حد أرض مضر إلى حد نجران وما والاها وصاقبها، ثم نزحت من تهامة في حرب وقعت بينها وبين ربيعة ومضر في خانق، فغلبت فيها وخرجت إلى العراق فنزلت في سواده قرب مكان الكوفة، فأقامت هناك دهرا، وانتشرت في تلك الأنحاء، وكانت تغزو أهل العراق من العجم وغيرهم، فلما كان عهد كسرى أنوشرؤان أغارت على نساء من الفرس فأخذتهن، فأرسل إليها أنوشروان جيشا أجلاها عن أرض العراق، وشتتها في البلاد،، فنزل بعضهاتكريت، ونزل بعضها الجزيرة، ونزل بعضها أرض الموصل، ثم سلط عليها أنوشروان قومًا من بكر ففتكوا بها، وفرقوها في أرض الروم، وبلاد الشام وقد اشتهرت قبيلة إياد بخطبائها، وظهور قوة الخطابة فيها، وكان خطباؤها مضرب المثل في الفصاحة وقوة البيان، وفي وصفهم يقول بعض الشعراء:
فذكر المبسوط في موضعه، والمحذوف في موضعه، والموجز والكناية، والوحى باللحظ ودلالة الاشارة. وكانت قبيلة عبد القيس من ربيعة تسامي إياد في خطبائها، وشيوع الخطابة بين أفرادها، ولعل هذا مما يقوي ما رجحناه من اتصال نسب إياد بنسب عبد القيس وربيعة، ولكن عبد القيس لم تظهر فيها الخطابة إلا بعد أن انتقلت من البادية إلى عمان والبحرين، حتى قال الجاحظ في كتاب البيان والتبيين: وشأن عبد القيس عجيب، وذلك انهم بعد محاربة إياد تفرقوا فرقتين، ففرقة وقعت بعمان وشق عمان، وفيهم خطباء العرب، وفرقة وقعت إلى البحرين وشق البحرين، وهم من أشعر قبيلة في العرب، ولم نكونوا كذلك حين كانوا في سرة البادية، وفي معدن الفصاحة، وهذا عجب.
ولاشك أن إياد كانت في سرة البادية مثل عبد القيس، ثم انتقلت منها إلى العراق، فالظاهر أن الخطابة لم تظهر فيها إلا بعد أن انتقلت من البادية مثل عبد القيس، وقد علل ذلك بأنهم حينما تركوا سرة البادية جاوروا الأعاجم في تلك الأماكن، وكان الاعاجم أهل خطابة وكتابة، ولهذا كثر الخطباء أيضما في اليمن عند اختلاط أهله بالفرس الذين أتى بهم سيف بن ذي يزن لاخراج الحبشة منه، وهذا يفيد أن الخطابة العربية ماخوذة من الخطابة الفارسية مع أن الجاحظ قال في موضع اخر في الموازنة بين خطابة العرب وخطابة الفرس، وبيان الأمم التى انفردت بالخطابة: (وجملة القول أنا لا نعرف الخطب إلا للعرب