للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والفرس، وأما الهند فانما لهم معان مدونة، وكتب مجلدة، لا تضاف الى رجل معروف، ولا إلى عالم موصوف؛ وليونانيين فلسفة وصناعة منطق، وكاناحب المنطق نفسه بكئ اللسان، غير موصوف بالبيان، وفي الفرس خطباء إلا أن كل كلام لهم فانما هو عن دراسة وطول فكرة، ومشاورة ومعاونة، وحكاية الثاني علم الأول، وزيادة الثالث في علم الثاني، حتى اجتمعت ثمار تلك الفكر عند آخرهم، وكل شيء للعرب فانما هو بديهة وارتجال، وكأنه إلهام، وليست هناك معاناة ومكابدة، وخطباؤهم أوجز، والكلام عليهم أسهل، وهو عليهم أيسر من أن يفتقروا إلى تحفظ، أو يحتاجوا إلى تدارس، وليس هو كمن حفظ علم غيره، واحتذى على من كان قبله).

وإذا كان هذا شأن خطابة الفرس وخطابة العرب، فأين احداهما من الأخرى؟ وكيف أخذت الثانية من الأولى، وهما يختلفان هذا الخلاف، ولا يوجد بينهما أدنى شبه يدل على تأثير إحداهما بالأخرى، واحتذاء خطباء العرب بخطباء الفرس في الخطابة؟ ولا يؤثر في هذا أنا لا نسلم لجاحظ ما يزعمه من انفراد الفرس والعرب بالخطابة، وانفراد العرب بالقدرة على ارتجالها، فقد يوجد في غير العرب من يقدرعلى ارتجال الخطابة في لغته، وقد يكون في العرب من لا يخطب إلا بعد ترو وتدبر، ولكن العرب لشيوع الأمية فيهم، كان يقل من يذهب هذا المذهب في خطبائهم.

فلم يبق إلا أن نعلل ذلك بأن أخبار هذه القبائل قبل انتقالها من البادية بعيدة عنا، ولم يصل الينا إلا قليل منها، فما يدرينا أنها لم يكن فيها خطباء حين كانت بسرة البادية؟ ولعله كان لها من الخطباء فيها ما لا يكون هناك محل لتعجب الجاحظ أو غيره منه.

دراسة حياته: إذا رجع الباحث إلى ما كتب عن قس

في كتب الأقدمين المختلفة لا يمكنه أن يؤلف من الأخبار التي وردت فيها عنه سيرةحيحة، متلائمة غير متدافعة، متصلة غير منقطعة، لها بداية معروفة، ووسط غير مجهول، ونهاية ليست غامضة، وانما هي أساطير لا يمكن أن يعرف منها يقيناً زمنه متى بدأ؟ ومتى انتهى؟ ولا مكانه في تلك الأمكنة التي تنقلت فيها قبيلته؟ وهل كان يعيش بينها؟ أو كان يعيش بين قبيلة أخرى غيرها؟ أو كان يعيش هائما متنقلا لا يقر في مكان؟ فقد ورد أنه ادرك حواري عيسى عليه السلام، ولكن ورد مع هذا أنه أدرك محمداًلى الله عليه وسلم قبل

<<  <  ج:
ص:  >  >>