بعثته، بل ورد أنه أدرك بعدها وآمن به وعد من أصحابه، ولا يمكن أن يكون قد أدرك هذين العهدين المتباعدين إلا اذادقنا أنه عمر حوالي ستمائة سنة، كما يذكر هذا من يعده في معمري العرب، وهذا أمر لا يمكن تصديقه، ولم يحدث مثله من عصر الحواريين الى العصر الذي نعيش فيه الآن.
وورد أيضا أنه كان أسقف نجران، فلا بد أنه كان يعيش عيشة مألوفة بين أهلها من النصارى، ولكن أين اياد من نجران وقد كانت إياد مستقرة بالعراق في الزمن الذى ظهرت فيه النصرانية بنجران؟ بل أين هذا مما يروى من أنه لم تكنه دار، ولا يقره قرار، ويتحسى في تقفره بعض الطعام، ويأنس بالوحوش والهوام، وأخبر بعضهم أنه رآه على جبل بالشام يقال له سمعان، في ظل شجرة إلى جنبها عين ماء، فإذا سباع كثيرة وردت الماء لتشرب، فكلما زأر منها سبع علىاحبه ضربه بعصا، وقال كف حتى يشرب الذي سبق، قال فتداخلني لذلك رعب، فقال لي لا تخف ليس عليك بأس، ورووا أنه كان يفد على قيصر زائراً فيكرمه ويعظمه، وقد سأله مرة ما أفضل العلم؟ قال معرفة الرجل بنفسه، فقال له فما أفضل العقل؟ قال وقوف المرء عند علمه، فقال له فما أفضل الأدب؟ قال استبقاء الرجل ماء وجهه، فقال له فما أفضل المروءة؟ قال قلة رغبة المرء في اخلاف وعده، فقال له فما افضل المال؟ قال ماقضي به الحق.
وهذا كل ما يروونه عن قس في حياته، يحيط به الغموض في بدئه، ويستمر متماشيا معه، ثم يلازمه إلى نهايته، فلا تنتهي حياته بين قبيلته إياد، ولا بين أتباعه الذين كان فيما يقال أسقفا عليهم في نجران، بل يقال إنه توفي بروحين فيلحف جبل بها، وهي قرية قريبة من حلب، وله بها مشهد يزوره الناس، ويقصدونه بالنذور، وله أوقاف محبوسة عليه، وقد زاره أبو جعبل الألبيري فقال فيه:
هذى منازل ذي العلا ... قس بن ساعدة الايادى
كم عاش في الدنيا وكم ... أسدى إلينا من أياد
قدنالها بحلى البلا ... غة مفصحا في كل ناد
قد قر في بطن الثرى ... متفرداً بين العباد
وقد قدروا له السنة التي توفي فيها سنة ٦٠٠ م وذلك قبل الهجرة باثنتين وعشرين سنة.