إليه، لا تفيد أكثر من أنه كان يدعوهم إلى التوحيد، والايمان بالبعث والحساب، ولم يرد فيها أنه كان، يدعو إلى عقيدة التثليث والصلب والفداء ونحوها، وهي العقائد التي لا تثبت النصرانية التي يريدها القس لويس إلا بها، بل لم يرد فيها أنه كان يدعو إلى، الايمان بعيسى عليه السلام، وإنما ورد أنه كان يبشر العرب بدين جديد قرب ظهوره بينهم، فلا يمكن أن تكون عقيدته هذه النصرانية إلى يدعو إلى دين بعدها، وهي ترى أنها خاتمة الأديان، وان عيسى هو اخر الأنبياء الذي بشر به موسى عليه السلام، فلا يمكن بعد هذا أن يكون قس أسقفا على نصارى نجران، ألا أن تكون نصرانيتهم نصرانية أخرى غير هذه النصرانية، ولكن الذي يفيده التاريخ أنها كانت من نصرانية الروم والحبشة، ولهذا حاربوا أهل اليمن من أجلها، ومع هذا فقد أثبتنا أن قسا كان أقدم من ظهور النصرانية بنجران، ثم انه كان من إياد وكان أهل نجران من اليمن، فلا يقبلون رآسة مثله عليهم، لما كان من العصبية بين العدنانيين والقحطانيين، وأما خبر الجارود إنح فلا يفيد إلا انه كان مثل عيسى في ذلك، وقد ورد في بعض الأحاديث تشبيه أبى ذر الغفاري بعيسى في زهده وترهبه.
فلا يعدو أمر قس إلا أن يكون من قدماء الحنفاء الذين ظهروا في بدء انحراف العرب عن ملة إبراهيم إلى الوثنية، فكان يعوهم إلى ملة أبيهم إبراهيم، ويحارب فيهم هذه البدعة، وهكذا كان شان كل أولئك الحنفاء في العرب، وهذه كانت وظيفتهم فيهم، وقد حاول الأب لويس في كتابه (النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية) أن يلحق كل أولئك الحنفاء بالنصرانية ولا يخفى أن شأنهم في ذلك مثل شأن قس بن ساعدة.
خطابة: كان قس خطيب العرب وحكيمها وحكمها في عصره، وكان على شهرته بالخطابة يقول الشعر، فإذا خطب أتى في خطابته بشيء من شعره، يناسب موضوع خطابته، وقد جدد في الخطابة العربية بعض أمور تنسب إليه، منها انه أول من قال فيها (أما بعد) وبعضهم ينسبها لغيره، وقد نسبت لداود عليه السلام، وفسر بها قوله تعالى (وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) ولكن أسلوب الكلمة عربي خالص، ولغة داود كانت عبرية، وإنما عظم شأن هذه الكلمة في الخطابة وغيرها، لأنها تساعد على الانتقال من غرض إلى غرض فيها ولا تحوج الخطباء في ذلك إلى تكلف مناسبات طامية لا تقف فيه عند حد، ويصعب على