(يلبغا) الذي سرقوا نصفه فجعلوه مدرسة للصبيان، وتركوا منارته قائمة في المدرسة، تعلن لكل ذي عينين شكواها وتذيع خبر بلواها، فلا تقف عليه، وخذ إلى يمينك إلى جادة الفنادق، (الجوزة الحدباء)، حتى تبلغ سوق صاروجا الذي كان حي الباشوات الأتراك والمجددين فصار الآن حي التجار المحافظين، فزر في طريقك جامع الورد ثم سر إلى العقيبة، منزل الأمام الأوزعي وادخل جامعها الأنور المبارك الذي لا يخلو من قائم الله بحجة، جامع التوبة ثم اسلك طريق العمارة، وجز بزقاق النقيب، وعرج على منازل علماء الأمس، فقد كانت هذه المنازل مدارس، وكانت جامعات، وكانت منائر هدى للناس، وكانت هي دعائم نهضتنا، ووزر الكلية الشرعية ثم ادخل الجامع الأموي، وامكث فيه وسائله عن الماضي واستنطقه، وطر بروحك في سمائه، واسم بها إلى عليائه، ثم عد إلى أحدثك إن شاء الله حديثه، وإن حديثه لطويل!
ثم جل في القيمرية، ولج تلك الدور، وشاهد تلك القاعات والأبهاء، وهذه الزخارف والنقوش والبرك والنوافير، فمنها سيدي أخذ الأندلسيون هندسة هاتيك القصور، ومر بهذا الزقاق الذي تباع فيه القباقيب، ولا تحقره لضيقه وفقره، ثم انزل إلى تلك الحارة المعتمة القذرة، فاقرع باب مصبغة هناك، فإذا فتحوا لك فاهبط درجها ولا تفزعك رطوبتها وظلمتها، ثم قف خاشعاً متذكراً معتبراً؛ فإن غفي مكان هذه المصبغة التي يسمونها (مصبغة الخضراء) كان قصر الخلفاء من بني أمية. . .
فإذا خرجت منها فاسأل عن زاوية هناك، فإن فيها قبر معاوية الصغير (ابن يزيد)، ثم اذهب إلى السيمساطية تلك المدرسة المحدثة البناء، العامرة، فقف عليها فقد كانت منزل خامس لخلفاء الراشدين، عمر بن عبد العزيز، ثم أم المعاهد في جوارهما: الجقمقية ومدرسة بطل الدنيا صلاح الدين، فقم على قبره ساعة، وترحم عليه واحمد الله، على أن خّزى ذلك الطاغية (غورو) وذل والظاهرية دار الكتب، والعادلية مثوى المجمع العلمي العربي ثم اسلك على باب البريد، ومر بخرائب (المرادية) التي كانت إلى العهد القريب مدرسة عامرة، حتى تزور العادلية ودار الحديث الأشرفية، التي كان فيها البدر الحسنى بقية السلف وزر المارستان النورى، الذي كان مستشفى كأكبر ما يكون مستشفى في هذه الأيام وكان مدرسة للطب، ثم أم قبر الملك العظيم صاحب هذه المآثر ونور الدين القائد