للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حيل، ووضعوا بينهم لغة اخترعوها، ونظم فيها أبو دلف قصيدة طويلة، وكان الصاحب يتحاور معه بذلك اللسان ويعجب بحفظه، وهي قصيدة بديعة مذكورة في اليتيمة. ويقع من لغتهم كثير في أشعار المولدين، فلا يعرفها الناس. . . منها قول أهل مصر لآكل الحشيش مسطول، ومنها زرق، وهو تعاطى التنجيم وصاحبه زراق.

ذكر الثعالبي في اليتيمة صاحب القصيدة التي أشار إليها الخفاجي فقال: أبو دلف الخزرجي مسعر بن مهلهل شاعر كثير الملح والظرف. . . وكان ينتاب حضرة الصاحب. . . ويتزود كتبه في أسفاره، فتجري مجرى السفاتح في قضاء أوطاره، ولما أتحفه أبو دلف بقصيدته، وذكر (فيها) المكدين. . وأنواع رسومهم، وتنادر بإدخال الخليفة المطيع في جملتهم. . . اهتز ونشط وأجزل صلته عليها.

يقول العلامة الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبدة المصري (رضي الله عنه) في شرحه مقامات أحمد بن الحسين الهمذاني:

(بنو ساسان الشحاذون وأهل المسألة، وساسان يقولون إنه كان رجلاً فقيراً حاذقاً في الاستعطاء، دقيق الحيلة في الاستجداء، فنسب إليه المكّدون. وعندي أن الساسانية وبني ساسان، وما شاكل ذلك من الألفاظ المشيرة بالتحقير لساسان، وأنه جد السفلة أو شيخهم، إنما جاءت بعد زوال الدولة الساسانية من الفرس التي كان مؤسسها أردشير بابك، فلما محقها الإسلام، وبقى من أطرافها أفراد أذلاء سقطوا في ألسنة فتيان المسلمين الأولين، فكانوا يطردونهم من مكان إلى مكان، ويعيرونهم بعنوان آبائهم. فبعد أن كانت نسبتهم إلى ساسان نسبة مجد وحسب صارت نسبة قذف وسب. وكان في شهر هذا الإسم بالتحقير غاية سياسية فضلاً عما تطمح إليه نفس الغالب من إذلال المغلوب، وهي أن لا يبقى لدولة الساسانية ذكر في لسان، ولا أثر في جنان، ينبئ عن سلطانها أو رفعة شأنها، وإذا خطر أمرها بالبال، فلا يخطر إلا مع لازمه الجديد، وهو السفالة والدناءة، ثم نسى ذلك بمرور الأيام، وبقي اللفظ مستعملاً في الشحاذين، وهم أدنى طبقة في الناس.

قلت: سجاح في كلام الحريري المذكور آنفاً هي بنت الحارث بن سويد بن عقفان من بني يربوع ارتدت وتنبأت، ثم حسن إسلامها، وفيها يقول عطارد بن حاجب:

أمست نبيتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت أنبياء الله ذكرانا

<<  <  ج:
ص:  >  >>