للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأعلى للكنيسة بدلاً من البابا؛ فأصدرت الملكة عام ١٥٥٩ المرسوم الذي يوحد العبادات ويحرم من صورها ما لم يرد ذكره فيه؛ فكان رجال الدين حيال هذا المرسوم فريقين، فريقاً رضى عنه، وفريقاً ودّ لو أنه كان أكثر تطرفاً في الابتعاد عن روما فأبطل ما لا يزال من صور العبادات يأتي على شاكلة ما يتبع في الكنيسة البابوية وما يعد في نظرهم من البدع والخرافات. وهذا الفريق الثاني هم الذين أطلق عليهم أسم البيرويتانز أو المطهرون، وذلك لأنهم كانوا يريدون تطهير العبادات من آثار كنيسة روما. ولم يمض على صدور ذلك المرسوم إلا نحو خمسة أعوام حتى كان هذا الإسم شائعاً على الألسن يطلقه الناس على هذه الفئة المغالية في القضاء على كل ما له صلة بروما.

ولكن ما هي إلا أعوام ثمانية أخرى حتى خرج بعض الناس ممن كرهوا هؤلاء المغالين بهذا اللفظ عن مدلوله البسيط فصاروا يطلقونه على كل من يرمونهم بالمروق من الدين ليلحقوا وصمة الفسوق بالبيوريتانز إذ يسلكونهم والفاسقين والمنافقين في سلك واحد، حتى لقد أوشك أن ينسى مدلول الكلمة كما نشأت في وضعها الأول وأصبح البيوريتانز في نظر خصومهم ومن يجهلون أغراضهم هم الضالين الملحدين.

وتزايد استعمال الكلمة في مدلولها الجديد الظالم حتى أصبحت البيوريتانية في أذهان بعض الناس مرادفة للألحاد والنفاق والضلال وما كانت حين نشأت إلا الرغبة في الإصلاح والتطهر من البدع والتملص من كل ما لا يعد من جوهر الدين.

وزاد بعض خصوم المذهب بعداً بالكلمة عن معناها الأول فنسوا ما في ذلك المعنى من عنصر ديني طيباً كان ذلك العنصر أو خبيثاً، وصارت عندهم كلمة سباب عامة يعبرون بها عن كل معيب ويطلقونها على كل من يريدون الطعن فيهم من الناس كما يطلق لفظ الشيطان مثلاً على كل شرير أو معتد أو عابث.

ولما شاعت البيوريتانية في المجتمع ونمت كمذهب لا يقتصر على النظرة الدينية بل يتناول كذلك السياسة والخلق والفكر والفن دأب خصوم هذا المذهب في محاربته بالطعن في أشياعه، وحسبهم أن يطلقوا على الرجل منهم ذلك اللفظ الذي بعد عن مدلوله كل البعد والذي أصبح مسبة عامة ليشفوا ما في صدورهم من غل. تجد مثلاً واضحاً لذلك في العبارة الآتية التي وصفت بها كاتبة في أوائل القرن الثامن عشر ما كان يلاقي البيوريتانز

<<  <  ج:
ص:  >  >>