يدفعه إلى القيام بزيارة خاصة لهما فلعله يظفر هذه المرة بما يحل له تلك الرموز والمعميات. . .
وإذ بلغ (زيد) باب بيت القس شم رائحة البخور تنبعث منه، وسمع صوت تراتيل دينية تتصاعد من أرجائه، فدفع الباب برفق، وأطل برأسه إلى الداخل، فشاهد الأب جريجوري يلفظ النفس الأخير، ومن حوله رهط من الرهبان والراهبات الروس يصلون من أجل روحه وكلارا جاثية إلى جانب سريره تذرف الدمع السخين، فألتاع لهذا المشهد وأرتد إلى الشارع مضطربا مذهولاً.
ومضت أيام علم الشاب العربي في أثنائها أن الأب جريجوري مات، وان كلارا ظلت وحيدة حزينة فزارها مرة ليعزيها، فاستقبلته بوجه شاحب وبعينين غائرتين ووجد عندها (قواصاً) كان من معارف زوجها، وكان يعزيها بقوله:(موش لازم يبكي) مش لازم يزعل. . . مافيش جوزك، في. . . أنا!). . . ثم خرج القواص، وجاء رجل آخر من معارف المرحوم أيضا فسلم عليها وعزاها. ثم قال لها: -
(أوفدني أبونا أنسطاس كرياكوس رئيس دير (. . . . . .) وسألني أن أبلغك رسالة شفهية. . . يقول لك أبونا إنه تأثر جداً لفقدك زوجك. وان المرحوم كان من أصدقائه الحميمين، ولما علم انك غدوت وحيدة أحب أن يمد لك يد المعونة فهو يعرض عليك الإقامة في جناح من الدير ويتعهد لك بكل ما يلزمك من ملبس ومأكل أفلا تبلين سؤاله؟
فأجابته كلارا وقد أسندت رأسها بين يدها: قل لرئيسك إذا كانت كلارا قد تزوجت قسيساً وتوفاه الله فذلك لا يعني أنها مستعدة لأن تتزوج رهبان ديره. . .!
وتوطدت عرى الصداقة بين (زيد) كلارا وعلم منها الشيء الكثير عن علاقتها بذلك القس الروسي الراحل، علم منها انه كان يعلمها اللغة الإنجليزية، فسرعان ما سلبها عقلها بأحاديثه الطلية وبفلسفته الصوفية، وبآرائه الاعتزالية، فسألته بان تتلمذ على تعاليمه، فسألها بان تسكن وإياه، فلم تمانع وانتقلت للحال إلى مسكنه.
وإذ علم رؤساء الكنيسة بفعلته هذه ثارت ثائرتهم وتسائلوا كيف يبيح قس لنفسه الزواج بفتاة يهودية؟ فطردوه من الكنيسة وحرموه من لقب قس ومنعوا عنه كل مساعدة وألصقوا به شتى التهم. . .