للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا البيت الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه). . . لقد جددتم للإسلام أيام القادسية والملاحم اليرموكية والمنازلات الخيبرية والهجمات الخالدية. . .)

كان كل هذا يمر أمام عيني ورأسي مطرق وخطواتي سريعة وأحبس الدمع في عيني حتى انتهيت من قبة الصخرة واتجهن إلى المسجد فدخلت إلى المحراب لأقرأ أثر السلطان المجاهد بحروف ذهبية:

(أمر بتجديد هذا المحراب المقدس، وعمارة المسجد الأقصى الذي هو على التقوى مؤسس، عبد الله ووليه يوسف بن أيوب أبو المظفر الملك الناصر صلاح الدنيا والدين ما فتحه الله على يديه سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة).

فأديت تحية المسجد في هذا المحراب الخالد وترحمت على بانيه وعلى أرواح الشهداء وشعرت براحة تملأ نفسي حينما خرجت متجهاً إلى المجلس الإسلامي الأعلى، ماراً بمدرسة قايتباي سلطان مصر، واستقبلني أعضاؤه ومعهم سماحة مفتي فلسطين الأكبر، وقد غمر الإيمان نفسي وتملكتني نشوة لم أتمالك لساني عن التعبير بما يجول بين جوانحي. قلت:

(إننا في فلسطين ومصر أمة واحدة، اشترك الآباء والأجداد في هذا التراث الإسلامي العربي كما اشتركنا في السراء والضراء، فهم قد واجهوا الموت معاً، وعاينوا الهزائم سوياً، كما فرحت نفوسهم بأيام النصر المتلاحقة المتتابعة. وها نحن اليوم نلاقي من أيام الشدائد ما يذكرنا بالأيام الحالكة السواد التي عاشها السلف ومن تقدمنا، فهل كانت أيامهم أقل سواداً من الأيام التي نعيشها؟ كلا كانت أشد وأوقع، فلم يفت ذلك في عضدهم ولا لانت قناتهم أمام مصائبها، ولذلك ألقوا علينا درساً باستشهادهم وموتهم وهزائمهم ومعاركهم وانتصاراتهم، ألقوا علينا درس يقظة وصبر وأناة وعناد وتمسك بالعروة الوثقى وتعاليم الإسلام الخالدة.

يا صاحب السماحة! إن دروس الماضي باقية في نفوسنا لن تبيد أبداً، وإننا نستمد منها قوة إذا ضعفت قوتنا، ونستلهم من وحيها آمالاً إذا ضعفت آمالنا في المستقبل. وإننا لنأتي إلى هذه البقعة الطاهرة وننظر إلى هذا الجامع وإلى صحنه ورحباته وصخرته فنجدد عهدنا لكم، وتغمرنا روح الإيمان والثقة والتمسك والأمانة التي في أعناقنا نحن إخوانكم الذين

<<  <  ج:
ص:  >  >>