قرّ رأي رجال البلاط أن ينهوا إليه خبر الفاجعة، فبعثوا إليه برسول يحمل النعي إليه أثناء رجوعه من الغرب قبل أن يصل، ولما جاءه الرسول كان الظلام قد أطبق على الأرض فأفضى إليه برسالته قائلاً:(لقد طار الصقر).
كان غرض الرسول بهذه التعمية ألا يقف أحد من رجال الجيش على جلية ما حدث، غير أني لم أكن بعيداً حين أفضى إليه الرسول برسالته، فسمعتها، وما كدت أسمعها حتى وعيتها فزلزلت لها زلزالاً شديداً.
استحوذ الخوف عليّ، واشتدت خفقات قلبي، وسرت في أوصالي هزة هائلة، وإذا بساقيّ تنطلقان بي بعيداً عن الجيش، وكانت عيناي أثناء عدوي لا تنفكَّان تنقبان ذات اليمين وذات الشمال عن مأوى إليه من مخاوفي، فما ظفرت بعد لأي إلا بنباتات قليلة انطرحت خلالها مختفياً عن أعين الجيش، متربصاً أن يمر علىّ فلا يراني.
وعَبر بي الجيش فلم يرني أحد، ولم أكد آمن نظراته حتى انطلقت أعدو إلى الجنوب، ولكن لا لأعود إلى العاصمة بل لأهرب بحياتي؛ فقد رسخ عندي أن لا حياة لي بعد أن مات الملك.
وطفقت أغذ خطاي حتى انتهيت إلى الجميزة فجعلتها خلفي، وواصلت سراي حتى بلغت سنفرو فبت ليلتي تلك فيما حولها من المزارع.
وعندما أشرقت الشمس شرعت أسير، وفي أثناء الطريق لقيني رجل فخاف مني، وطلب مني الأمان، فتركته وتابعت رحلتي، وقبل حلول الليل رأيتني عند كرأهاو، وهنا وجدت طوفاً على شاطئ النهر لا سكان له، فامتطيته تاركاً نفسي تحت رحمة التيار الذي دفع طوفي إلى شرق آكو، وهي للرّبة حربت ربة الجبل الأحمر، وكان بها كثير من المحاجر، وهناك بلغت الضفة الشرقية فهبطت من الطوف وتركته.
ولم أتمهل هناك بل انطلقت إلى الشمال حتى بلغت مسلحة أقامها الملك في ذلك الثغر لمدافعة جموع الساتي، فأعتراني الخوف من أن يراني رجال الحامية الذين كانوا يتناوبون حراسة الحدود من فوق الأسوار، فاختبأت وراء شجرة هناك حتى لا تقع أنظارهم عليّ.
وقد أفلحت فيما أردت، وبقيت في مخبئي حتى إذا عسعس الليل برزت أحْدس في مناكب الأرض إلى ان تنفس الصبح، وإذا أنا عند بتن، فتركتها وانحدرت في وادي كيمور.