للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لم يجد من يحسن حفر الآبار واستخراج الماء غير رجال هذه القبيلة.

وطبيعي أن يكون للعرب علم خاص بطرق استنباط الماء وإقامة الحواجز، وكيفية حفر الآبار والتعرف على نوع الأراضي التي يمكن استخراج الماء منها وإلا فكيف يعقل أن تنشأ هذه الحواجز وأن تحفر تلك الآبار لو لم يكن لهم علم بذلك؟ ثم إن النصوص اليمانية التي عثر عليها حتى الآن وهي قليلة تؤيد هذا الرأي وتدعمه.

وقد انتقل هذا الفن إلى المسلمين فظهر نفر من العلماء في العصرين الأموي والعباسي نظموا صرف المياه وكيفية السيطرة عليها وتوزيعه. وألف بعضهم في (كتب المياه) وفي إحياء الأراضي (الموات) وقد أضافوا إلى معلوماتهم العربية الخالصة ما أخذوه عن الأعاجم من آراء ونظريات وما قرءوه في كتبهم من أبحاث.

على أننا نسمع في نفس الوقت أصواتاً ترتفع من جوف البلاد العربية ومن مختلف الأنحاء تشكو الجفاف وتتألم من تراكم الأتربة في مجاري الأنهار. ومن جفاف مياه الواحات فجأة ومن موت النباتات والأشجار وتحول الأرض إلى صحار رملية، وقد استمرت تلك الشكاوي بدون انقطاع حتى القرن التاسع عشر.

وقد تكون من بين أسباب هذا الجفاف وتحول المياه أسباب سياسية نشأت عن تضعضع مركز الخلافة والثورات والانقلابات العسكرية الكثيرة التي كانت تدبرها الأسر الشريفة أو أصحاب القوة والبسطة من الأعاجم وأصحاب العساكر والأتباع. فلم يعد في وسع الحكومة الاهتمام بشؤون الزراعة والري وسائر الشؤون الأخرى. وقد تكون عوامل طبيعية وقتية أو طوارئ طبيعية فجائية سببت انحباس الأمطار وإلى غور المياه إلى الأعماق. على كل فهي كوارث مزعجة حولت تلك الأماكن المنبتة المأهولة إلى أماكن صحراوية رملية لا يمكن لأحد النزول بها لعدم ملاءمتها لشروط الحياة.

وقد خلقت هذه الكوارث الطبيعية والتقلبات الجيولوجية التي حدثت في الأزمنة التي سبقت الإسلام قصصاً مختلفة وحكايات توارثها الناس جيلاً بعد جيل عن هلاك تلك الأقوام وتبدل وجه المعمورة وتحول الأرض المأنوسة إلى أرض موحشة. وقد تردد صداها في الكتب العربية؛ ففي كتب الأدب والتأريخ سيل من هذه الأخبار من عاد وثمود وطسم وجديس ووبار.

<<  <  ج:
ص:  >  >>