للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

صرت إلى آخر الكتاب، وقد جرى في أوله ذكر السلام عرفته أنه ذلك السلام المتقدم)، ويريد أن يقول إن التعريف هنا (للعهد لا للجنس). هذا كل ما في كلام الرجل، لم يوجب شيئاً ولم يمنع شيئاً.

وأما الآية التي في سورة مريم من قول عيسى عليه السلام: (والسلام على يوم ولدت ويوم أموت. . .)، وما جاء من قول الزمخشري فيها: (قيل أدخل لام التعريف لتعرفه بالذكر قبله) يعني في قول الله تعالى ليحيى: (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت. . .) فذلك تفسير من الزمخشري لمعنى (ال) في قول من قال إن التعريف هنا للعهد. وأبي الزمخشري أن يكون كذلك، لأن العهد هاهنا باطل عنده، فالسلام المذكور في قصة يحيى كان من قول الله سبحانه قبل مولد عيسى، وهو آت في أول السورة في الآية (١٥)، ثم مضى بعدها (واذكر في الكتاب مريم) وذكر الله سبحانه قصتها، حتى أفضت إلى كلام عيسى وهو في المهد إذ قال: (والسلام على يوم ولدت. . .) في الآية (٣٣)، فبين السلام الأول والثاني (١) انقطاع في المدة (٢) وانقطاع في السَّرد (٣) واختلاف في مبتدئ السلام وملقيه، فالأول من الله والثاني من عيسى. هذا وسلام عيسى في الآية الثانية المعرف فيها السلام، ابتداء ولا ريب.

ومن أجل ذلك ذهب الزمخشري إلى أن التعريف هاهنا للجنس لا للعهد (وهذا كما ترى يخالف كل المخالفة ما أراده ابن قتيبة في كلامه). ثم ذكر الزمخشري نكتة البلاغة في التعريف فقال إن تعريف الجنس هو الصحيح لا تعريف العهد (ليكون ذلك تعريضاً باللعنة على متهمي مريم وعلى أعدائها من اليهود). وهذا عندي تعليل ضعيف جداً من الشيخ رضي الله عنه، وكان خليقاً به أن يصرف عنه وجهه. ولولا أنه كان مولعاً بنكت البلاغة لما وقع في مثل ما وقع فيه. وأن شئت أن تزداد فقهاً ومعرفة بما قلت فاقرأ تفسير الشهاب الخفاجي والآلوسي والقونوي وأبا حيان وكتاب الأنموذج للرازي وتدبر ما فيها كل التدبر.

وأما قوله في الآية الأخرى من سورة طه: (والسلام على من أتبع الهدى) إن معنى التعريف هاهنا التعريض بحلول العذاب على من كذب وتولى، فهذا جيد وحسن لقوله تعالى في الآية التي تليها: (إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى). وهذا أيضا طلب لنكت البلاغة، وتبيان لأن التعريف هاهنا للجنس. ولكن الزمخشري لم يقل لك، ولا غيره

<<  <  ج:
ص:  >  >>