للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وملالاً.

إنك لتأكل من خوان أصحابك، وتنظر إليهم يأكلون، وتطمع في مؤاكلتهم، فتشبع بالعين والبطن والرغبة ثم لاشيء غير هذا، وكأنك مرتبط بحبال من اللحم تأكل منها وتحتبس فيها.

إن كان أول ما في الحياة أن تأكل فأهون ما في الحياة أن تأكل، وما يقتلك شيء كاستواء الحال، ولا يحييك شيء كتفاوتها، والبطن لا يتجاوز البطن، ولذته لذته وحدها، ولكن أين أنت عن إرثك من أسلافك، وعن العلل الباطنة التي تحركنا إلى لذات أعضائنا، ومناع ارواحنا، وتهبنا من كل ذلك وجودنا الأكبر، وتجعلنا نعيش من قبل الجسم كله، لا من قبل المعدة وحدها؟

قال السمين: تالله لقد أكسبك الفقر حكمة وحياة، وأراني بازائك معدوما بزوال أسلافي مني، وأراك بازائي موجودا بوجود أسلافك فيك. ناشدتك الله إلا ما وصفت لي هذه اللذات التي تعلو بالحياة عن مرتبة الوجود الأصغر من الشبع، وتستطيل بها إلى مرتبة الوجود الأكبر من الرضى؟

فقال الهزيل: إنك ضخم ولكنك أبله، أما علمت - ويحك - أن المحنة في العيش هي فكرة وقوة، وأن الفكرة والقوة هما لذة ومنفعة، وأن لهفة الحرمان هي التي تضع في الكسب لذة الكسب، وسعار الجوع هو الذي يجعل في الطعام من المادة طعاماً آخر من الروح، وأن ما عدل به عنك من الدنيا لا تعوضكمنه الشحمة واللحمة، فان رغباتنا لابد لها أن تجوعوتغتذي كما لابد من مثل ذلك لبطوننا، ليوجد كل منهما حياته في الحياة؛ والأمور المطمئنة كهذه التي أنت فيها هي للحياة أمراض مطمئنة، فان لم تنقص من لذتها فهي لن تزيد في لذتها، ولكن مكابدة الحياة زيادة في الحياة نفسها.

وسر السعادة أن تكون فيك القوى الداخلية التي تجعل الأحسن أحسن مما يكون، وتمنع الأسوأ أن يكون أسوأ مما هو، وكيف لك بهذه القوة وأنت وادع قار محصور من الدنيا بين الأيدي والأرجل؟ إنك كالأسد في القفص، صغرت أجَمَتُهُ ولم تزل تصغر حتى رجعت قفصاً يحده ويحبسه، فصغر هو ولم يزل يصغر حتى أصبح حركة في جلد، أما أنا فأسد على مخالبي ووراء أنيابي، وغَيْضَتي أبدا تتسع ولا تزال تتسع أبداً، وإن الحرية لتجعلني

<<  <  ج:
ص:  >  >>