للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أساليب الحروب وخداعها لأنه تلميذ من تلاميذ جنكيز خان في هذه الناحية.

فقد نقل صاحب البداية والنهاية انه كان يعتمد في حروبه للمسلمين أشياء لم يسبقه أحد إليها، فكان إذا فتح بلداً ساق مقاتله هذا البلد إلى البلد الذي يليه، فكان هؤلاء اللاجئون يدخلون في هروبهم الخوف والرعب على الناس. وإذا دخلوا البلد شاركوا الناس في أقواتهم، فإذا حاصرهم تقصر مدة الحصار عليه لاضطراب شؤون التموين والإعاشة لدى البلد الذي يقصده، وإذا رفض أهل البلد قبولهم وإيوائهم ساق هؤلاء المقاتلة اللاجئين عليهم لقتالهم وتلقى الضربات الأولى، وحينما يضعف الطرفان يقذف بجنوده لإتمام الفتح.

ومن حيله التي لا يمكن أن تقهرها قوانين الحرب أن يبعث إلى المدينة المحاصرة من يقول: أن ماءكم قد قل بعد طول الحصار وإننا على وشك أن نأخذكم عنوة فنقتلكم جميعاً، أما إذا فتحتم صلحاً أبقينا عليكم فيفتر أهلها بذلك ويقولون أن الماء عندنا كثير فلا نحتاج إلى الماء فيقول الرسول لا اصدق حتى ابعث من عندي من يشرف عليه فإن اقتنعت بأنه كثير انصرفت إلى بلد أخر. فيقولون أبعث من يتأكد، فيرسل برجال من جيشه معهم رماح مجوفة محشوة سما، فإذا دخلوا إلى المدينة التي أعيته الحيل في فتحها لعظم أسوارها وقلاعها أدخلوا في آبارها وصهاريجها تلك الرماح على انهم يقيسون عمق المياه فيقذفون السم في عمق المياه ويكون سبباً في هلاك كل من يشرب منه.

ولو شئنا أن نعدد أساليبهم في القتال وطريقتهم في ابتداع الحرب الخاطفة والهجوم في جبهتين تفصل الواحدة عن الأخرى مئات الأميال لتبين لنا أن آسيا هي أهم الحروب وان الأوربيون لم يبتدعوا شيئاً جديداً. ولقد اجمع المؤرخون على مقتل كتبغا في عين جالوت، وذكر المقريزي أن رأسه حُمل إلى القاهرة، ولذلك تعجبت حين اطلعت على حاشية للأستاذ الدكتور مصطفى زيادة تقول (أن السلطان كتبغا كان تتري الأصل وهو الذي قاد الجيوش التترية التي انكسرت على يد السلطان قطز). إذ هناك إجماع على مقتل قائد التتار وعلى اسم قاتله وهو الأمير جمال الدين الشمسي وكان من أعيان الأمراء المصريين وأمثالهم وشجعانهم، ذكره صاحب النجوم الزاهرة في المنهل الصافي ضمن وفيات ٦٧٨ وذكره ابن كثير ضمن وفيات هذه السنة فقال (إنه أحد أمراء الإسلام وهو الذي باشر قتل كتبغا نوين). أما المقريزي فيقرر وفاة الشمسي سنة ٦٧٩ وهو الأصح إذا كان آخر عمل له أنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>