المدرسية كانت قد أفرغت ما في البطون. . . لو كان هذا قبل الفسحة لكان كل شيء حاضراً وبخاصة إحدى العينتين التي لا تأتي هكذا عند اللزوم!
فأما الذين كان في أمعائهم بقية فقد انطلقوا مطمئنين، وأما الذين أحسوا أن أمعائهم لا تستجيب لهم، أو حاولوا ولم يفلحوا، فقد علا وجههم الاصفرار، وارتفعت دقات قلوبهم من الخوف، وركبتهم الحيرة التي تركب المذعورين!
ماذا يصنعون؟ وكيف يعودون إلى الدوار، أو كيف يغيبون عن الموعد المرسوم؟
أن أقل ما يتصورون أن هم عادوا فارغين أن يقبر الحكيم بطونهم ليتناول منها العينة المطلوبة أو أن يدخل في أجسامهم قنوات طويلة لسحب هذه العينة. وفي الأولى الموت أو خطر الموت، وفي الثانية العار أمام إخوانهم وعند القرويين!
وهنا تتفق الحيلة، وتبدو قيمة التعاون!
إن التلاميذ لإخوة، فمتى تظهر قيمة هذه الأخوة إن لم تظهر الآن؟!
لقد انطلق المحرجون يرجون إخوانهم أن يمدوهم بعونهم، وان يتولوا عنهم ملء هذه الإحقاق!
وهنا تظهر الطبائع على حقيقتها. فالشدائد هي افضل محك لها فأما ذوو الأصل الطيب والطبع النبيل من التلاميذ فقد تقدموا لمعاونة زملائهم بلا تردد. وأما قليلو الأصل وذوو الطبائع اللئيمة، فبعضهم امتنع شفاء لحزازات قديمة، وبعضهم تمنع لؤما وانتهازاً للفرصة!
ولكن هذا التعاون لم يسد الحاجة إلا إلى حدّ معين، وبقى عدد من الإخوان الذين لا يجدون ما ينفقون!. . . وهنا تفتقت عبقرية أحدهم عن حيلة بارعة:
أن في مراحيض المساجد متسعاً للجميع!
أما كيف كان ذلك! فلا بد من بيان عن هذه المراحيض:
كان في القرية نحو عشرة مساجد كلها مبنية على الطراز العتيق. وكانت دورا المياه بها عجيبة. فهي مؤلفة من (مغطس) هو حوض مبني من الطوب ومطلي بالسمنت من الداخل والخارج، يملؤه عامل خاص، يمتح بالدلو من البئر ويصب فيه حتى يمتلئ. وفي الحائط الخارجي للمغطس ركبت صنابير تصل من البناء مباشرة إلى الماء بداخله. ومنها يتوضأ المصلون.