ولكن المغطس لا يستخدم فقط للوضوء. إنما هو الحمام المختار لعدد كبير من الناس الذين يعوزهم الماء في بيوتهم للغسل، فيذهبون إليه في جنح الظلام قبيل الفجر، حيث يسورون حائطه، ويرفعون غطاءه الخشبي؛ ثم يغطسون، فينقّون أجسامهم من الأوضار المادية والمعنوية، ويدعونها هناك للمتوضئين!
ويلحق بدورة المياه المراحيض، وبنائها عجيب. فهي تقع في صف طويل، يفصل بين كل اثنين منها حائط؛ ولكنها من الداخل متصلة بقناة مكشوفة يجري فيها الماء للجميع من منفذ في الحوائط الفاصلة بسعة القناة وتملأ هذه القناة بالماء من البئر كما يملأ المغطس ومن هذا الماء الجاري المتصل، يتناول المصلون وغير المصلين للاستنجاء بأيديهم، وهم داخل المراحيض، والماء يجري ويتصل بالجميع!
أما بناء المراحيض ذاتها فأعجب. فالمراحيض يتكون من (كتفين) يجلس فوقهما من يريد. وبينهما فجوة واسعة تضطر الجالس أن يباعد ما بين رجليه كي لا يسقط في الفتحة الكبيرة. في هذه الفتحة يتساقط ما يتساقط، فيتراكم قريبا من الجالس. لأن خزانات المساجد محدودة، والعدد الذي يتردد عليها ضخم جداً - إذ ليس في المنازل مراحيض إلا نادراً - وجميع الرجال والأولاد الكبار يلجئون إلى المساجد والحقول. أما النساء والأطفال ففي سطوح المنازل متسع للجميع!
وتبقى هذه الحالة طوال السنة والرائحة التي لا تطاق تنبعث من هذه المراحيض المكشوفة، والمواد النازلة على مرأى من الجالس لقضاء الحاجة، والبعوض يتبادل مواقفه تارة على هذه المواد المكشوفة، وتارة على وجوه الجالسين، فإذا خلت منهم المراحيض اخذ طريقه إلى المصلين وإلى البيوت المجاورة جيئة وذهاباً حيثما يريد!
وفي موعد خاص يستقدم (السُّرَ بَاتِيّة) أي الذين يكسحون المجارير. يستقدمون من المدينة القريبة بمقاولة خاصة لنزح خزانات مسجد أو عدة مساجد، ولهذا النزح طريقة عجيبة.
أن العربات الخاصة لم تكن تستخدم هناك على النحو المتبع في بعض المدن الخالية من المجاري. وما الداعي لهذه العربات؟ وهناك طريقة طبيعية مقتبسة من البيئة الزراعية؟!
ألا تستخدم القنوات في الحقول لنقل الماء من مكان إلى مكان؟ فلماذا لا تستخدم كذلك في نقل هذه المواد من المجارير إلى الحقول؟!