للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الموت).

وبعد نشر هذه الأبيات القوية في صدر تلك المجموعة من آثار شكسبير دليلاً على أن ناشريها كانوا ينظرون إليه يومئذ وهو لا يزال طالباً في الكلية نظرتهم إلى شاعر بدأت تتحقق له نباهة الاسم.

ونظم ملتن في سنتيه الأخيرتين بالكلية بضع قصائد في مناسبات، أهمها ثلاث مرثيات وقصيدة كتبها عن نفسه هي أقرب إلى شعر التأملات. أما المرثيات فاثنتان منهما كانتا عن هوبسون الشيخ أحد الموظفين في الكلية وقد قضى فيها من عمره سنين طويلة، وفيها يمزج ملتن العطف بروح الدعابة. وكانت الثالثة عن سيدة في مقتبل العمر تدعى ليدي ونشستر أحدث موتها حزنا عميقا في أواسط المجتمع العليا. ولقد ذاعت مرثية الشاعر الشاب ذيوعا عظيماً في تلك المناسبة، أحبها كل من قرأها أثنى عليها ثناءً كبيراً.

أما القصيدة التي كتبها عن نفسه فكانت في عيد ميلاده الثالث والعشرين، وفيها يعجب الشاعر من سرعة انقضاء الزمن، ويأسف أن يخلوا ربيع حياته الأخير من البراعم والأكمام؛ وهو بهذه الإشارة يضطغن على نفسه، فربيعه زاهر بالحياة والنماء، ولعله يقصد أن أكثر ما جادت به براعته لم ينشر ليدل على وفرة ثماره، أو لعله ضرب من الطموح، فهو إذ يستقل ما عمل حتى يومه هذا إنما يشير إلى ما هو جامع له عزمه في غده.

والشواهد على عزمه المصمم قائمة في موضوع ألقاه في سنته الرابعة والعشرين وهي السنة التي غادر فيها الكلية، وكان الطلاب يتناظرون في العلم والجهل وأن العلم يجلب للمرء من السعادة أكثر مما يجلب الجهل؛ وتحدث ملتن فأفاض وأجاد في بيان فضل العلم وقارن بين أوربا في عصر الظلمات وبينها في عصر النهضة، وأشار إلى الإنسان في بداوته إذ كان يهيم على وجهه ويتخذ من الجبال بيوتاً ويعيش بلا دين وبلا قانون ولا ثقافة كما يعيش ضواري الوحش، وإلى الإنسان في حضارته وما ينعم به من المعرفة ويهتدي به من الدين ويتمتع به من روابط الثقافة. وأختم كلامه فأهاب بالمستمعين أن يكتسبوا كل يوم معرفة جديدة حتى يكون شأنهم شأن الاسكندر حين بكى لأنه لا يجد أمامه عوالم أخرى تطويها انتصاراته. . .

وفي سنة ١٦٣٢ غادر ملتن الكلية بعد أن حصل على درجاته العلمية الثانية وبعد أن قضى

<<  <  ج:
ص:  >  >>