على نغمات الموسيقى، وبعضهم يلعب الورق، والمقصف عامر، دخل الغازي فاستقبلته الفرقة بالنشيد الجمهوري، ثم بنشيد مصر، واتجه بخطوات ثابتة نحو القائم بالأعمال، فعانقه على مرأى من الحاضرين، وهنأه على رباطة جأشه وقال: نه يحضر إلى بيت مصر كما يحضر إلى بيته، فهو صاحب الدار، وأن مجيئه إلى المفوضية هو تحية منه للشعب المصري في عيد مليكه المعظم، فبلغ مصر ذلك، كما أنه تقدير مني لشخصك. ثم اتجه إلى ركن صغير بإحدى الصالات فجلس ومعه توحيد بك، ووزير الخارجية توفيق رشدي بك، وانضم إليه صاحب السمو الملكي الأمير زيد وزير العراق المفوض بأنقرة، فأجلسه الغازي إلى شماله على نفس المقعد، وجلس الكونت دي شامبران سفير فرنسا، ودارت في تلك الجلسة أحاديث تناولت الكثير من الشؤون، ولم يأتي الوقت بعد لإذاعتها وفي الساعة الثالثة صباحا طلب الغازي من توحيد بك أن يستريح وألح عليه في ذلك وقال له: إنني معجب بموقفك وتصميمك، وأفهم ما يمليه عليك الواجب، ولكني أنا (مصطفى كامل) سأنوب عنك في الترحيب بضيوفك. ونزل توحيد بك على إشارته، ولازمته حتى ركب إلى منزله. ولما رجعت من توديعه، إذا بوكيل الخارجية يدعوني إلى الركن الجالس فيه الغازي، وكان قد أنضم إلى الجماعة وزير المجر، وها أنا أعطي صورة من بعض ما دار من الحديث:
استؤنف الكلام بشأن المجر، فذكر وزيرهم ما نزل بهم من الظلم وما حاق بهم من الاضطهاد، وكأنه شعر بألم عميق، أو أراد أن يستعطف الغازي على وطنه، إذ ضرب مثلا لأنواع إرهاق التي يلاقيها، فقال وقد اغرورقت عيناه:(قد أصبح والدي تشيكوسلوفاكيا وصارت جدتي رومانية ليحافظا على أملاكنا ومزارعنا في البقاع التي انتزعت من وطننا، وهكذا تشتت أسرتنا وأصبحت مجريا وحدي. فنظر إليه الغازي محدقا وقال: (إنما أنت رب عائلة، ومواطن طيب القلب، ولكنك بعيد عن أن تكون رجل سياسة. انظر إلي تجدني لست بصاحب عائلة، ولم أشغل نفسي بطلب البنين، وذلك لأكرس حياتي منذ نشأت لخدمة بلادي). وكان الجنرال ناجي باشا، وهو أستاذ الغازي في الكلية الحربية، قد أنضم إلى الجماعة فعقب على ذلك بقوله:(لك سبعة عشر مليونا من الأولاد هم أبناؤك الترك). وهنا قال وزير المجر كلمة لم تعجب القارئ وهي: (أنك تستطيع أن تدفع العدوان عن بلادك،