لأنك في الأناضول، أما بلادي فهي بين الأعداء المحيطين بها من كل جانب). فسأله الغازي مسترسلا:(إلى أي عنصر تنتسب؟) فأجاب بغير تردد: (إلى العنصر التركي كأهل المجر جميعاً) فضحك الغازي وأجابه: (لا تنسى إنكم ضللتم قرونا حتى نهاية الحرب الماضية (١٤ ـ ١٩١٨) كان كل رأس مالكم وفخركم اللذين تترقبون بهما إلى شعوب أوربا وحكومتها وسياستها هو أنكم أعداء الترك الألداء، وإنكم كنتم أول من تحرر من تحت نيرهم، فأنتم كما ترى تدفعون ثمن الكفارة غاليا الآن).
ثم التفت إلى سفير فرنسا، وقد دنا الكونت استرودوج سكرتير السفارة الفرنسية من المجلس بإشارة من الغازي، فقال فخامته: قل له أن يحضر ورقاً وقلماً، وأريد أن أملي عليه شيئاً ولما أحضر الورق أملاه ما يأتي:(لا أتستطيع بحال أن أقول للترك إن فرنسا صديقة لهم، إذ كيف أصل لاقناعهم بذلك؟ إن هذا لن يكون إلا بعمل ظاهر، وهي لا تفعل شيئاً من ذلك، حتى المعاهدة التي عقدناها أخيراً لم تصادق مجالسها النيابية عليها للآن).
وأنتقل الحديث إلى ذكر جنيف وتخفيض السلاح ومشروع اتفاق الدول الأربعة العظمى: بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وهو المشروع الذي أطلق عليه اسم (الديركتوار الرباعي) إحياء لنظام المحالفة المقدسة بعد حروب (نابليون). وهذا مشروع يبغضه الغازي، فتحمس كل التحمس وقال:(ما معنى الدول العظمى؟) وأشار إلى السفير أن يكلف استرورج بأن يكتب مرة أخرى ما سيمليه، وأن ينقل ذلك إلى دولته فيما يلي:(إن فرنسا لن تكون عليها سيطرة على تركيا، وان تركيا لن تذعن لشيء تقرره فرنسا مع تلك الدول ما دمت أنا على قيد الحياة، ولو فرضنا أن الحكومة قبلت ذلك ووافقها المجلس الوطني الكبير، فإني لن أقبل ذلك، ولو أحوجنا الأمر لوجدتم الشعب التركي بأكمله ورائي يشد أزري، ويبذل أقصى جهده، وأنه لجهد لو تعلمون عظيم، وقد سبق أن برهن على ذلك مرة للعالم، وأني مستعد أن أقوده ثانية ليبرهن لكم مرة أخرى!)
هذه صورة خاطفة لبعض ما كان يدور في أحاديثه العديدة التي حرصت على جمعها وصيانتها توفراً مني على رغبتي يوماً في نشرها، وكنت كلما أتاحت لي الظروف لقياه، وقفت أتأمل هذه القوة الدافعة المجسمة فيه، وأجب بسوقه للحديث ومجانبته الانزلاق وتوجيهه المخاطب للناحية التي يرمي الوصول إليها، فكنت أغبط نفسي على كل دقيقة