أقضيها معه، وكان يعرف ذلك عني، ويفهم روحي، ويعلم أنني أعرف بالتفاصيل كل حادث مهم مر به في حياته، وإني أداوم على قراءة خطابه التاريخي بالتركية وباللغات الأخرى. وفي أثناء جلوسي أمامه مر الخادم النوبي الذي يخدم توحيد بك، وهو يلبس ملابس الحفلات بمصر، وعلى رأسه الطربوش، ليقوم ببعض الخدمة للجالسين ولما أتم عمله وتراجع صاح به الغازي بالعربية قائلا: تعال هون اخلع طربوشك فخلعه، ثم قال البسه فلبسه وانصرف. وكنا على مقربة من حادث الطربوش المشهور الذي وقع في ٢٩ أكتوبر سنة ١٩٣٢، إذ لم تمض على وقوعه خمسة شهور، وهنا أتجه الحاضرون إلي، وكانت وظيفتي ومركزي لا يسمحان لي بمواجهته بالخطاب، فإذا هو يقول لي: متى تخلعون الطربوش؟ وهنا وقفت متردداً كيف أجيب، وأخيراً فتح الله عليّ بكلمة قلتها في تلك الليلة هي:(يا فخامة الرئيس، إن الطربوش غطاء الرأس عندنا، كما كان يوما ما عندكم، وها نحن لا نزال في الدور البدائي من كفاحنا وجهدنا في سبيل تحريرنا وتحقيق مثلنا العليا التي تتمثل في مواجهة الحضارة الحالية وأخذها والاستفادة منها، ألا ترى إن الطربوش رمز يذكرنا بعصر نعيش فيه لنخرج منه إلى عصر جديد؟ وإنه عصر هام يذكي روح العمل لدينا؟ ويذكرنا كل يوم وكل ساعة بالواجب المحتم علينا وبالسعي في خلاص البلاد؟ ولا شك أنك لم تخلع القالباق أو الطربوش إلا حينما تخلصك بلادك من قيودها وانتصرت في عراكها وكفاحها، إننا في اليوم الذي نتخلص فيه من قيودنا ونتغلب على العقبات التي أمامنا نفكر في خلعه واستبداله، ويكون ذلك بوحي إرادتنا وحدها، ولكن قبل أن نصل إلى أهدافنا الكبرى، وننقلها من عالم الخيال إلى عالم الحقائق، لا توجد إرادة في العالم تفرض علينا أو تجبرنا على رفعه، ذلك لأنه يذكرنا كل يوم بعراكنا الدائم المستمر، وبان أمامنا واجباً نعمله وأعباء نحملها وعقبات نقتحمها ومصاعب نتغلب عليها).
ولم يكن الغازي ينتظر ذلك، فتلألأ وجهه وأدناني منه، وقال كلاماً كثيراًً عن مبادئ الثورة الكمالية ويقظة الشعب التركي وآماله، وهنا تحدث الزعيم الخالد عن أدوار حياته الأولى في البلاد العربية، والتفت إلى سمو الأمير زيد ووجه إليه عبارة رقيقة، وتكلم عن عرش سوريا وما يقال بشأنه، ثم عرض لحادث الطربوش المشهور، وقال كلاماً لا تسمح الظروف لي بنشره الآن، ثم قال: (كنت أقود الأتراك في داخل حدودهم وأراضيهم، وكنت