وجرمً ُ - في الحقيقة - مثل جَمْرٍ ... ولكن الحروفَ به عكسنه)
وقال:
(وسخط الظباء بما نالها ... تولد منه رضا الحابل)
فكيف يعبر صاحبنا عن هذا المعنى بأسلوبه الجحوي الرائع:
يخبرنا الرواة أن جحا سافر - ذات مرة - لزيارة بنتيه، وكان زوج أولاهما زارعا وزوج الأخرى فخاريا: يصنع الفخار ويبيعه.
فعرج على الأولى يسألها: كيف أنت؟
فأجابته - بخير يا أبتاه - إذا أغاثنا الله في هذا العام بما نأمله من الغيث. فادع لنا الله سبحانه أن ينزل علينا أمطاراً غزيرة تحيي موات أرضنا، وتجلب لنا ما نرجوه من رخاء وهناء.
ثم عرج على الأخرى، ولما سألها عن حالها أجابته:
نحن بخير - يا أبتاه - إذا أنقطع الغيث عنا هذا العام. فأدع لنا الله أن يكف عنا المطر حتى ينجو من البوار والتلف ما عندنا من الآنية والتحف التي جهدنا في صنعها من الفخار والخزف.
فخرج صاحبنا وهو لا يدري بأي الدعوتين يبتهل إلى الله؟ فمصيبة هذه فائدة تلك. واستجابة إحدى الدعوتين - كما ترى - شقاء إحدى بنتيه وهناء الأخرى، ولا مناص من ذلكم على أي الحالين؟
وفي هذه القصة تعبير رائع عن قول المتنبي الذي أسلفناه:
(بذا قضت الأيام ما بين أهلها ... مصائب قوم عند قوم فوائد
ثم يخبرنا الرواة أيضاً: إن لصاً سرق منه عشرين دينارا. فذهب جحا إلى المسجد ضارعا إلى الله أن يعيدها إليه. وأراد الله سبحانه أن يلهم تاجراً من أهل القرية كادت العواصف أن تغرق سفينته أن ينذر لذلكم الرجل الصالح عشرين ديناراً إذا كتب الله السلامة لمركبه.
فلما ظفر التاجر بالسلامة، وفى لصاحبنا بنذره بعد أن قص عليه قصته.
فأطرق جحا برأسه إلى الأرض ثم قال بعد تأمل عميق:
(تباركت يا رب في علاك: لو إنني سلفت أحداً غيرك هذا المبلغ لأعاده في هدوء، دون أن