للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أبالغ) لا تتفق في هذا المقام مع في محبتك، إذ الأب يصف حالة قائمة بنفسه قبل الكلام وأثناءه وبعده، فإذا فرضنا أن (في محبتك) غير محرفة؛ فلابد أن يكون ما قبلها محرفا عن (لا أبالغ) وبهذا التصحيح قد تكون عبارة ذلك الأب مفهومة. على إن الحق إنها صحيحة، والمحرف إنما هي العبارة التالية، إذ الأب يقول لابنه إن معارفي التي شغلتني تحصيلها عنك لم تترك لي وقتا أستزيد فيه من اختباري درجة عقليتك وامتحان مبلغ استعدادك. ولذلك تمشت عبارة (لم أبالغ) مع عبارة (في محنتك) لأن الوالد يبالغ دائما في محبة ابنه.

وجاء في صفحة ٩٣: (احتال الآباء في حبس الأموال على أولادهم بالوقف، فاحتالت القضاة على أولادهم بالاستحجار) وقال الشارحان وقد عدل عن الحجر، وهي الكلمة المألوفة إلى الاستحجار التي لم نجدها بهذا المعنى فيما بين أيدينا من المراجع. وأقول: ليس الاستحجار هو الحجر حتى يكون الجاحظ قد عدل عن هذه إلى تلك؛ بل الواضح إن الاستحجار هو طلب الحجر؛ واحتيال القاضي بالاستحجار هو سعيه بسوء نية في جعل أحد الناس يطلب الحجر على الموقوف عليه، وهذا ظاهر لا يدعو للتشكك ولا للرجوع إلى المعاجم.

وفي الصفحة نفسها يقول الجاحظ: (يا ابن الخبيثة: إنك وإن كنت فوق أبناء هذا الزمان فإن الكفاية قد مسختك) وأقول إنها مسحتك بالحاء المهملة لا مسختك كما في المتن، ولا محنتك كما في نسخة ليدن، ولا مجنتك بتشديد الجيم كما ينطق بعض المستشرقين. وذلك إن مسح الرجل أو مسحه بالتشديد معناها قال له قولا حسننا ليخدعه به؛ فالمراد إذن أن الكفاية أي رغد العيش الذي أنت فيه قد فتنتك وخدعتك عن نفسك.

وجاء في صفحة ١٠٢: (وزرته أنا والمكي، وكنت أنا على حمار مكار، والمكي على حمار مستعار، فصار الحمار إلى أسوأ من حال المذود) والصواب الزور لا المذود، والزور: الضيوف جمع زائر، مثل ركب وصحب جمع راكب وصاحب.

وجاء في الصفحة نفسها: (فأعاد المسالة فأمكنه من أذن من لا يسمع إلا ما يشتهي)، وقال الشارحان: (فأمكنه إلى آخره، أمكنه من الشيء كمكنه بتشديد الكاف منه، وفاعل أمكنه يعود إلى المكي، وضمير المفعول إلى المسألة بمعنى الطلب ليطابق المرجع. وأقول إن هذا التفسير يفسد عبارة الجاحظ، وهي من أجمل العبارات، والصواب أن صاحب البيت هو

<<  <  ج:
ص:  >  >>