إلى مقطع القول الذي وقف عنده بعدهم خلفائهم في مباحث المنطق والحكمة الإلهية من الأوربيين وغير الأوربيين، ولعل البخس الزهيد الذي أشرنا أليه يفيد في دلالته التاريخية أو دلالته النفسية ما يكافئ العناء في تحصيله ويعوض الباحثين عن غثاثته وقلة غنائه، فلا يضيع فيه الوقت بغير جزاء.
هذه المادة الزاخرة وما يقترن بها من مواد المقارنة بين الأديان السماوية والأرضية أعظم من أن تضاف كما تضاف العلاوة على حمل التخصص في الدراسات الأخرى. لأن أبواب البحث في الدين الإسلامي وحدة تستغرق السنواتبعد السنوات إذا لوحظ فيها أن تحيط بجوانب الفقه والتشريع والتاريخ والتطبيق على المذاهب الاجتماعية التي تتمخض عنها أطوار الأمم جيل بعد جيل، ومن القصور أن يفوت العالم المسلم تحصيل المعلومات من تلك المذاهب الاجتماعية، وهي تتطلب منه رأيا وردا وإقناعا لمن يحسبونها مغنية عن إصلاح الدين أو مناقضة لقواعد الدين في الإصلاح. فهل يتأتى للعالم المسلم في أربع سنوات أو ست سنوات أن يتوسع هذا التوسعفي علم دينه، ثم يتوسع في الوقت نفسه توسعا مثله في علوم الدينات ومذاهب للمسلمين وغير المسلمين؟
والذي يصدق على كلية الدين يصدق على كلية اللغة العربية لأن تعلم النحو والصرف والبلاغة لا يجدي بغير تعلم الأدب وفروعه؛ وتعلم الأدب وفروعه في لغة واحدة لا يتمم ثقافة الأديب المتخصص لهذه الثقافة مع هذا الأتساع في أفاق الكتابة وهذا التنوع في قواعد النقد ومناهج التعبير، وهذا التعدد في شواهد كل قاعدة من قديم اللغات وحديثها. فلابد مع اللغة من أدب، ولابد مع الأدب العربي من آداب أمم أجنبية، ولابد مع هذا جميعه من مشاركة في بحوث اللغة الإنسانية نفسها، وهي التي تسمى عندهم (بالفيلولوجية). لأنها دراسة لابد لها من مكان تدرس فيه، ولا مكان لدرسها غير الجامعات الكبرى ولا سيما الجامعات التي تزود الطالب بكل ما يحتاج إليه في ثقافته الأدبية واللغوية، وليست ست سنوات أو ثماني سنوات بالوقت الكثير على هذه المطالب اللازمة التي تنفق فيها الأعمار الطوال.
وأيا كان الرأي في عدد الكليات أو عدد السنوات؛ فالمهم في الأمر أن ننتهي بالتقسيم إلى نظام واحد في التعليم، فلا يبقى للثنائية أثر بين كليات الجامعة الأزهرية وغيرها من