القصة حين نتصرف فيها تصرفا صحيحاً على المواضع الخفية جداً في حياتنا، لأن فيض الشعور المرهف في حاجة إلى إن ينحسر ويتدفق منظفاً ومجدداً في الأماكن الخفية العاطفية في حياتنا)، والذي لاشك فيه أن لورنس يريد أن يصور الحياة كفيض يتعاقب عليه الجزر والمد. فالحياة أذن أفراح وأتراح، وحب وبغض، وأمال وألام، وحقائق وأوهام، وتفاهة وخطر، إلى غير ذلك مما يضمه كتاب الحياة المليء بين دفتيه. أما ما يعنيه لورنس بفيض الشعور وانحساره فهو أن النفس البشرية ذات خوالج مختلفة ونوازع متنافرة، ونحن لا نرى في الشخوص التي يعرضها علينا لورنس في قصصه الطويلة والقصيرة إلا النفس في حالة قبضها وبسطها ورضائها واستيائها.
وحين ينقم لورنس على المدينة الحديثة، ويصب جام سخطه عليها يضع نصبة عينيه فلسفته الجنسيات. فالمدينة الحديثة معتلة مموجة، مختلفة مضطربة، متداعية منهارة، لأن الإنسان الحديث أطلق العنان للعقل. وأسلم له قياده، وتركه يهيمن على عواطفه، ويسيطر على حياته. حتى بلغ الأمر بالعاطفة إنها صارت نتاجا تافها للعقل، ولورنس ينحني باللائمة على العقل، الرجل المتمدين الحديث لأنه بإذعانه للعقل، أفقر الدم الذي هو ينبوع العاطفة، ومن ثم فقد أرسل لورنس غضبته المدوية فقد أرسل لورنس غضبته المدوية بأن على المرء أن يحيا حياة عاطفية لا تكبلها الأديان ولا تحدها الطريق. ولورنس يذهب إلى ابعد من هذا فينادي بالاتصال الجنسي ويحث عليه، إذن أن فيه تحقيقا للحياة الفطرية العاطفية القديمة التي لا يشوبها تكلف وتصنع أو شاب وأدران.
ولورنس يحمل على المدينة الحديثة لأنها حطت من قدر الحياة القديمة، وشوهت من قيمتها، ذلك لأن التكالب على جمع المال، وتحصيل الثروة وطلب الجاه، وحب السيطرة والرئاسة؛ دفعت بالمرء في طريق غير مأمون العاقبة، فأخمدت شعوره بدلا من تذكيه، وأسكنت عاطفته بدلا من أن تثيرها ومن ثم فقد صار من أن يأخذ فيض الشعور وانحساره طريقه المعهود.
هذه النقادات الجارحات التي أرسلها لورنس عن طريق قصصه أثارت ثائرة النقاد عليه وأحفظهم ضده، فحملوا عليه حملات شعواء ونددوا بآرائه وكتبه وكأنه أراد أن يقابل العدوان بالعدوان، فلجأ إلى إصدار قصته الطويلة (عشيق ليدي تشارلي) التي وصف فيها