(الرجل الطروب) ومعنى البنسروزو (الرجل المتفكر). وتصف الأولى كيف يكون المرح واللهو في أحضان الطبيعة وفي زحمة المدنية، وتتصف الثانية كيف يكون التفلسف في الحياة والركون إلى العزلة، والتفكر بين الأوراق والكتب. وأما الثالثة فهي الغنائية القصيرة. وأما الرابعة فهي الغنائية الطويلة. وأما الأخيرة فهي في رثاء صديق.
افتتح ملتن قصيدته الأولى (الليجرو) بقوله (إليك عني أيها الأسى المتلكئ) ثم راح يصف الأسى فصوره في صورة مخيفة سوداء. وحسبك أن ينعته أنه يولد من احلك سواد في منتصف الليل، ومن الكلب الخرافي ذي الرؤوس الثلاثة والذيل الثعباني، ذلك الوحش الذي يقوم على حراسة إغلاق العالم السفلى؛ ويولد الأسى من هذين مجتمعين فهو ابنهما. . . ويعود الشاعر فيقول:(اذهب أيها الأسى فابحث عن مأوى لك بين الأشباح المرعبة والصراخ والمناظر الخبيثة حيث يمد الليل الكئيب جناحيه الحريصين على الظلام، وحيث تغني البومة طائر الليل هنالك تحت الظلالالسود وتحت الصخور المكتئبة المتداعية كذوائبك المهوشة. اذهب أيها الاسى، وابق أبداً في تلك الصحراء الخرافية القصية المظلمة التي ينتهي عندها العالم في الغرب على حافة المحيط).
وينتقل الشاعر بعد هذه الصورة الكريهة إلى مناجاة الفرح فيقول:
(اقبلي أيتها الآلهة الجميلة الطليقة التي سميت في السماء (أفروسين)، وسماك الناس السرور الذي يشرح الصدر؛ أنت يا من ولدتك فينوس وحملتك وأختين لك أخريين إلى با خوس؛ أنت يا من حملت بك أورورا، وهي تلاعب زفير حيث لقيها أول أيام مايو وهما يمرحان على سرر من البنفسج الأزرق والورود الجنية تفتحت لساعتها وغسلها الندى، فجئت ابنة حسناء بضة مرحة. ثم يمضي الشاعر يعرض صور المرح الذي تجلبه معها عذراء الأساطير التي يناديها، فهناك الشباب المتوثب الطروب، واللعب والبسمات العذاب، والضحك الذي يمسك جنبيه. ويعود فيهتف بتلك العذراء، ويسألها أن تسرع إليه تخطر على أطراف أصابعها مصطحبة معها عذراء الجبل، الحرية الحلوة ممسكة إياها بيمناها، ويشعر المرء بالبون العظيم بين ما سرده من صور الأسى وبين ما صوره من أشكال المرح وانماطه، ويقابل بين الناحيتين فتزداد كل منها انجلاء تلقاء الأخرى. . .)
ثم يعمد ملتن إلى فنه الذي امتاز به فيرمى في اسطر متتابعة إلى صور كثيرة متلاحقة