الأساطير الإغريق بملابسه الصفراء ومصباحه الذي يلوح به، وثمة الولائم والسوامر ومعالم الزينة تتخللها الغنائيات المسرحية بمشاهدها القديمة، كما يتخللها ما يحلم بمثله شعراء الشباب في أمسيات الصيف على ضفاف الغدران المنعزلة، يضاف إلى ذلك روعة التمثيل، فإما ملاهي بن جو نسن وإما ملاهي أحلى الشعراء فناً ولحناً ابن الخيال الساحر شكسبير يتغنى فيها بألحانه البرية الحان غابات وطنه ومشاهدها.
ويعود الشاعر في ختام قصيدته الرائعة إلى مناجاة إلهة الفرح فيسألها أن تحيطه بجو مليء بالأغاني الشعرية الجميلة التي تدرأ عن القلب الهم الذي يأكله، تلك الأغاني الرقيقة العذبة التي تتمثل في الشعر القوى الرصين يجمع بين جمال السبك ومهارته، وروعة الفن وفتنته، فيبلغ من السحر ما يحطم به ما يقيد النفس من قيود الحياة ومشاكلها فتحرمها من نشوة الموسيقى، ويبلغ من الجمال ما يوقظ به أرفيوس نفسه، فيرفع نفسه من غفوته الذهبية على سريره المتخذ من أزهار الجنة، ويستمع إلى تلك الألحان التي لو كان تغنى بمثلها لاستمال إليه أذن بلوتو. . .
تلك هي خلاصة قصيدته الأولى الليجرو، وشتان بين هذه الخلاصة في لباس النثر وفي لغة غير لغتها، وبين الأصل في لباس الشعر وفي بلاغة ملتن وبراعة فنه وروعة لحنه!
ويفتتح ملتن قصيدته (البنسروزر) بنقيض ما افتتح به قصيدته الأولى فيقول: (إليك عني أيتها المسرات الخادعة، من الحماقة وحدها ولدت بغير أب. ما اقل عودك على العقول الرزينة، وما اقل ما تبثينه فيها من ألاعيبك. . . استقرى في بعض الرؤوس الكليلة، وسيطرى على تلك المخيلات المولعة بما لا يحصى عدده من الأباطيل والمظاهر البراقة، تبلغ في كثافتها وعددها ما يبلغ الهباء المعلق في أشعة الشمس)
ويناجي الشاعر الشجن ليأتي إليه، وينعته بالحكمة والقدسية، بل يغلو فيجعله أقدس ما يلحق به التقديس؛ ويصف آلهةالشجن بأنها أعظم سناً من أن تطيقها عيوننا، وعلى ذلك فأننا نراها مجللة بالسواد، ولكن هذا السواد لن يشينها، فما أشبهها بمملكة أثيوبيا الجميلة التي غالبت في الأساطير جنيات البحر فبدنهن ملاحه وأغضبهن بذلك وأساءت إليهن.
ولا يفتأ الشاعر يدعو هذه الآلهة إليه مصطحبة من يليق من رفقة، ويضفي عليها صفات الحكمة والتؤدة والتعقل والوقار والدأب والجد، ويصورها تنقل بصرها من السماء إلى