المراد بها المعرفة بالدين، والفقه فيه، والاتباع له. وذهب فريق منهم إلى أن المراد بها العلم بأحكام الله تعالى، التي لا يدرك علمها إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم، والمعرفة بها منه. وذهب فريق منه إلى أن المراد بها الفصل بين الحق والباطل، وذهب فريق منهم إلى أن المراد بها معرفة الأحكام والقضاء، وذهب فريق منهم إلى أن بها العقل والفهم، وذهب فريق منهم إلى أن المراد بها كل كلمة وعظتك، أو دعتك إلى مكرمة، أو نهتك عن قبيح.
ولقد تهيب هؤلاء المفسرون أن يحملوا الحكمة على معناها الشائع عند العرب وغيرهم، لأن كلمة الحكمة عند العرب ترادف كلمة الفلسفة عند اليونان، وتنطق عندهم (فيلاسوفيا) وفيلا معناها الإيثار، وسوفيا معناها الحكمة، وقد اشتق العرب من ذلك كلمة الفلسفة بمعنى الحكمة، كما اشتقوا كلمة الفيلسوف من (فيلوسوفوس) بمعنى الحكيم، وهو في الأصل بمعنى المؤثر للحكمة.
ثم جاء بعد هؤلاء المفسرين لم يتهيب ما تهيبوه، من حمل الحكمة على معناها الشائع عند العرب وغيرهم، فذهب إلى أن المراد بالحكمة معرفة الأشياء بحقائقها، وهو بعينه ما يقوله العلماء في تعريف الفلسفة، من أنها العلم بحقائق الأشياء بقدر الطاقة البشرية، وعلى هذا يكون تعليم الكتاب إشارة إلى العلوم العقلية، ويكون تعليم الحكمة إشارة إلى العلوم العقلية، وهي العلوم التي تدخل تحت كلمة الحكمة أو الفلسفة، وتشمل ما يشمله اسم الفلسفة النظرية والعلمية.
ولا يراد من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لأمته إلا أن يهيئها له، بأن يعلمها الدين الصحيح، ويعمل على محو الأمية فيها، بتعليمها القراءة والكتابة، ويحبب إليها النظر في العلوم على اختلاف أنواعها، ويرشدها إلى الاستفادة ممن سبقها ممن الأمم إلى درس العلوم، لتبنى على أساسها، وتقوم بقسطها في النهوض بها، فتؤدي زكاة العقل في رفع منار العلم، والوصول به إلى ما تصل إليه الأمم قبلها، ولا تقف به عند الحد الذي وصل إليه قبل أن تتناوله. فلا يتم ذلك إلا بالتدريج، وهو سنة الله في الترقي والنهوض، وهذا هو الذي تشير إليه الآية السابقة في سورة الجمعة (وآخرين منهم لم يلحقوا بهم، وهو العزيز الحكيم) فقد قيل إن المراد بالآخرين الفرس، ويؤيده ما روى عن أبي هريرة قال: كنا