جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ نزلت سورة الجمعة فتلاها، فلما بلغ (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) قال رجل: يا رسول الله، من هؤلاء الذين لم يلحقوا بنا؟ فلم يكلمه حتى سأله ثلاثا، قال - وسلمان الفارسي فينا - فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان، وقال: والذي نفسي بيده، لو كان الإيمان بالثريا، لتناوله رجال هؤلاء.
وقيل أن المراد بهم التابعيون، وقيل هم جميع من دخل في الإسلام بعد النبي يصلى الله عليه وسلم، إلى يوم القيامة. وقد كان أن تلك الحركة العلمية الإسلامية أخذت في التدرج إلى أن دخل الفرس في الإسلام، وهم قوم لهم سابقة في العلم والحضارة، فوصلت بهم الحركة العلمية الإسلامية إلى ذروتها، ودونت عهدهم العلوم الدينية، ونقلت علوم الحكمة إلى اللغة العربية، فدرسها المسلمون، وبدوا فيها من تناولها قبلهم من السابقين، وحققوا بذلك ما وعد الله من تعليمهم الكتاب والحكمة، وما كان الله تعالى ليخلف وعده.
وما أخطأ المسلمون حين أخذوا علوم الحكمة عمن سبقهم إليها من الأولين، لأن الله قد حثنا على النظر في الآية - ١٨٥ - من سورة الأعراف (أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد أقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون) فهذا حث على النظر في جميع الموجدات والتأمل فيما أودعه الله فيها من عجائب وأسرار، لاستنباط العلوم والمعارف التي تدل على عظيم قدرته، وتشهد ببديع حكمته.
فإذا وجدنا نظراً لمن كان قبلنا في جميع الموجدات، ووجدنا لهم علوما تعنى ببحثها وكشف أسرارها، وجب علينا أن ننظر في تلك العلوم، وأن ننقل ما ألف فيها من كتب إلى لغتنا، لنستعين بها فيما أمرنا الله به من النظر في الموجدات، ولا نضيع زمناً في بحث ما سبقونا إلى بحثه فيها، فما كان فيها موافقاً للحق قبلناه منهم، وما كان غير موافق للحق صححناه لهم، ولا يصح أن يمنعنا خطؤهم من الانتفاع بصوابها، كما لا يصح أن يمنعنا من النظر فيها أن يضل بعضنا به، لنقص في فطرته أو لغيره ذلك من الأسباب، لأن هذا الضرر إنما يلحقها بالعرض لا بالذات، ولا يصح أن يترك ما يكون نافعاً بطبعه لضرر يوجد بالعرض فيه، وشأنها في ذلك شأن العسل، حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن يسبقه أخاه، فزاد إسهال به، فلما شكا ذلك إليه قال له: صدق الله وكذب بطن أخيك. يعني صدقه تعالى في قوله في الآية - ٦٦ - من سورة النحل (يخرج من بطونها شراب