للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مختلف ألوانه فيه شفاء الناس).

وليست هذه العلوم وحدها هي التي عرض لبعض أصحابها ذلك الضرر، فقد عرض مثله لكثير من العلوم، كعلم الفقه الذي يعد من أمهات العلوم الدينية، فكم من فقيه كان الفقه سبباً لقلة تورعه، وخوضه في الدنيا، مع أن صناعته تقتضي بالذات الفضيلة العملية.

ولقد حوى القرآن الكريم كثيراً من مسائل تلك العلوم، ولاسيما مسائل الحكمة العملية، لأن الدعوة إليها هي الأهم، أما الحكمة النظرية فليس من شأن الأنبياء تقرير مسائلها، وليس من شأن الكتب المنزلة شرح علومها، وإنما يوجه الأنبياء الناس إليها توجيها، وتشير الكتب المنزلة إلى بعض مسائلها إشارة مجملة.

وقد جاء ما يمكن أن يعد فصلا من الحكمة العملية في سورة الإسراء، وذلك من قوله تعالى في الآية - ٢٣ - (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما، فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريماً) إلى قوله تعالى في الآية - ٣٩ - (ذلك مما أوحي إليك ربك من الحكمة، ولا تجعل مع الله إلها آخر، فتلقى في جهنم ملوما مدحورا).

ولقد حوت السنة النبوية كذلك كثيرا من مسائل الحكمة العلمية، كما حوت كثيراً من مسائل الحكمة النظرية، كالطب وغيره، وكان من طبه صلى الله عليه وسلم ما يسمى الطب النبوي، وقد وضع العلماء فيه كتبا أثبتوا فيها ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، في هذا العلم، وقد شهد له المقوقس أمير مصر بهذه الحكمة، وذلك حين أرسل إليه يدعوه إلى الإسلام، فأرسل إليه هدايا فيها طبيب، فقبل النبي صلى الله عليه هداياه، وقال الطبيب: أرجع إلى اهلك، نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع. وقيل إن رسول النبي صلى الله عليه وسلم، هو الذي قال ذلك للمقوقس، فقال له: أنت حكيم جئت من عند الحكيم.

وكان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حكيم يقال له الحارث ابن كلدة، رحل إلى مدرسة جند يسابور، فتلقى علوم الحكمة من الطب وغيره على فلاسفتها، ثم رجع إلى بلاد العرب فاشتغل فيها بعلاج المرضى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يأمر أصحابه بالعلاج عنده.

<<  <  ج:
ص:  >  >>