وكل تأثر وكل انفعال، وتجمع بين السرعة المتحركة في السياق، والدقة الكاملة في رسم الخلجات الخفية، والوسوسات الخافتة، وتصور (فلما) كاملا للصراع النفسي في موقف خاص!
وذلك كله دون حذلقة، ودون إبراز للتحليل النفسي الذي يأخذ هيئة التفسير العلمي فيفسد الفن القصصي، إلا في موضعين عابرين ألم بهما إلماما سريعا لحسن الحظ، فلم يفسدا السياق، وإن غضا من قيمته الفنية قليلاً.
والصعوبة التي تواجه ناقد القصة أنه لا يملك عرض الجمال الفني فيها كما يريد، فالتلخيص عبث وقتل لهذا الجمال، فهو - على أحسن الأوضاع - يلخص الفكرة، وماذا تجدي الفكرة إذا لم يستطع تصوير طريقة العلاج؟ وكل وصف لطريقة العلاج يعد تشويها بالقياس إلى حقيقة العمل الفني في السياق!
ولكنني بعد هذا كله ملزم أن أعرض على القارئ هذا التشويه:
صلاح شاب في الثلاثين، متدين، واثق بنفسه وبإيمانه، فقد وصل إلى هذه السن ولم يرتكب معصية قط - على الأقل حسبما يعتقد - فهو صاحب حق في الجنة لا منازعة فيه، ولأنه لم يعان من قبل أية تجربة نفسية، فهو يقسو على الخطيئة والخطاة، ولا تنفسح نفسه لأي عطف عليها أو عليهم، ولا يحاول أن يستمع لأية معذرة من الظروف والملابسات والاضطرار.
وحين يسمع من الواعظ تحذيره من النفاق وتخويفه للناس من عذاب النار، لا يحفل ولا يجفل، فإنه ناج من النار! وحين يقص على زوجته نبأ طرد عبد التواب أفندي من عمله لأنه اختلس يعلق على هذه الجريمة بقسوة، ولا يقبل من زوجه التماس أية معذرة لهذا السارق الأثيم! وحينما تتقاعس زوجه عن صلاة الفجر لأن حلاوة النوم تقعد بها في السرير، يلح عليها حتى تقوم، لأنه (يود أن يزحزحها عن النار. . .) وحينما يعلن أن فتاة يتركها أهلها لتشتغل بالتدريس بعيدة عنهم، يهم بأن يذهب إليهم ليوبخهم على هذا الاستهتار! ويخرج صلاح لعمله بعد الصلاة وقراءة (الحزب) وهو يحلم بالجنة التي دخلها فلم يجد (سميرة) زوجه، ثم إذا هي تدخلها إكراما لخاطره!. . . يخرج حيث يعد له المؤلف، أو تعد له الحياة، الفتنة الأولى مع هذه المدرسة ذاتها: