فيحطم الوعاء وينطفئ الضوء، وتنطلق السيدة المسحورة وغيرها من فرائس الساحر. . .
وثمة شبه كذلك بين غنائية ملتن ومسرحية جون فلتشر (الراعية الوفية) وهي مسرحية ريفية كتبها صاحبها سنة ١٦١٠ وأعاد نشرها سنة ١٦٣٤ وهي السنة التي كتب فيها ملتن غنائيته. ومن هذه المسرحية أخذ ملتن فكرة انتصار العفة في النهاية كما أخذ فكرة الروح الحارس الذي يحمي العذراء. ففي المسرحية سيدة كانت عفتها في خطر لولا هذا الروح الحامي. وفي مسرحية فلتشر يبزر إله النهر فينجي العذراء كما تنجى سابرينا عذراء غنائية ملتن. ويستعمل في كومسي نبات لشفاء الجروح كما يستعمل نبات غيره في الراعية الوفية، وفوق ذلك تنطوي غنائية ملتن على فقرات لها أشباه في المعنى والفكرة في مسرحية فلتشر.
أما شخصية كومسي الذي سميت باسمه الغنائية، فهي من ابتكار ملتن فقد جعل لكومسي أبوين من المثولوجيا، فأما أبوه فهو باخوس إله الخمر، وأما أمه فهي سيرس الساحرة التي كانت تحيل من يشرب سائلا لها إلى حيوان، وعلى ذلك فقد جمع كومسي بين المرح والعربدة ورثهما عن أبيه، وبين السحر ورثه عن أمه، وامتاز كومسي عن أمه بأنه لا يحيل أشكال الناس إلى حيوانات فحسب، ولكنه يغير عقولهم حسبما يشاء فيوحي إليهم ما في نفسه من شهوة وفسوق.
وتعج غنائية ملتن بتلميحات مأخوذة كلها من ميثولوجيا الإغريق والرومان، كما أن فيها ألفاظا وعبارات وصفات تشبه نظائرها في شعر من سبقه من شعراء قومه، وعلى الأخص سبنسر وشكسبير.
أما فلسفة ملتن في الغنائية، فمشتقة من فلسفة أفلاطون وآرائه في الفضيلة. وقد تعمق ملتن دراسة هذه الفلسفة وأحبها حبا شديدا، إذ صادفت هوى في نفسه، وقد كانت نفسه حريصة على العفة كوسيلة إلى السمو الروحي والبياني.
ولكن على الرغم من هذا كله نجد الغنائية في جملتها وعليها طابع ملتن، فهي ملتنية الروح واللفظ والأسلوب والموسيقى والفلسفة، وفيها سمات عبقريته وشواهد قوته، بحيث لا يمكن ردها إلا إليه كما ترد آثار فحول الشعراء إليهم بمجرد سماعها، ولو لم يذكر أول الأمر أنها لهم، ففي إماراتها وخصائصها وروحها ما يشير إليهم إشارة تغني عن ذكر الاسم، وتلك