ميزة هي مقياس فحولته، إذ لولاها لكان كغيره من سائر الناس، ومن هؤلاء الفحول الأفذاذ (ملتن) صاحب هذه الغنائية يومئذ وصاحب الآية الكبرى يوم يملي الفردوس المفقود. . .
مثلت أليس ابنة اللورد السيدة التي ضلت في الغابة، ومثل أخواها دور الأخوين، أما الملحن (لو) فقد أخذ دور الروح الحارس، ومثل أحد الشبان دور كومسي، كما مثلت إحدى الفتيات دور سابرينا، وهؤلاء هم أشخاص الغنائية جميعا، فهي كما ترى نوع من المسرحيات القليلة الحوادث والأشخاص تعني بالموسيقى والشعر وتقوم فيها الأرواح والأشباح إلى جانب الناس.
تبدأ الغنائية بمنظر يمثل غابة وحشية، ثم يظهر على المسرح أو يهبط عليه الروح الحارس، فيتكلم في شعر رقيق بليغ عن موطنه ورهطه في عالم السماوات، ويشير إلى دنيا الناس وما فيها من آثام بقوله:(هذه البقعة المظلمة التي يسميها الناس الأرض) وينعى على الناس حياتهم المضطربة وغفلتهم عما تهيئه لهم الفضيلة بعد ارتحالهم من عالم الفناء، ولكنه يغتبط بأن بين الناس قلة يطمحون إلى وضع أيديهم على ذلك المفتاح الذهبي الذي يفتح لهم قصر الخلود؛ ولهذه القلة مهبطه ومن أجلها رسالته، ثم يشير إلى اللورد بأنه من أنصاف الآلهة الذين يحكمون في الجزر مستمدين سلطانهم من نبتيون إله الماء، ويمتدح خصاله ويتحدث عن أبنيه وبنته وعن مسيرهم في الغابة، وأنه أرسل من قبل جوف كبير الآلهة ليحميهم في ظلمات الغابة، ومم يحميهم؟ هكذا يتساءل ليسترعي الأسماع، ثم يقول: إنه سوف يقص ما لم يرد مثله في شعر ولا في قصص، في كوخ كان ذلك أو في قصر. ثم يذكر في إثر ذلك كومسي ومولده وما ورثه عن أبيه وعن أمه، وما هو في مقدوره من السحر، فيصور للأذهان صورة عجيبة حقا، ويشوقها إلى ما عسى أن يقع على يد كومسي، ولكن جوف يكف شره عمن يرعاهم من الناس، ولذلك أرسل هذا الروح في مثل لمحة النجم ليحمي هؤلاء المدلجين، فليتنكر في زي شخص يعرفونه، وليكن هذا الشخص هو أستاذ الموسيقى، وهنا يثني الروح أعظم الثناء على فنه ووفائه؛ ثم يرهف سمعه ويقول: إنه يسمع خطوات بغيضة تقترب، فعليه أن يختفي؛ وبهذه الوسيلة يعبر ملتن عما يريد أن يقول عن اللورد وعن صديقه الموسيقي على لسان ذلك الروح في فيض من الشعر المرسل الرصين الرائع الذي يملك الأنفس عذوبة جرس وحلاوة معنى، والخيال الساحر البارع