هوليود، وكان حميد أفندي منهمكا في دراسة بعض الأوراق يدخن ويشرب القهوة. . ولما عرفته بنفسي، ورأى إمارات الدهشة بادية على محياي اضطرب وقال: المعذرة أيتها الآنسة، إننا نشغل هذه الغرفة مؤقتا الآن إلى أن يتم بناء الستوديوهات. . . نرجو ألا يزعجك ذلك. . فالفنانة يا آنستي لا تعير مثل هذه التوافه اهتماما. . الأيام أمامنا، وكل شيء مع الصبر جميل. . . أتعرفين كيف بدأ ستوديو مصر عمله؟. . لقد كانت حالة مؤسسيه مثل حالتنا تماما، استأجروا في بادئ الأمر غرفة في شارع كلوت بك، ثم نهضوا شيئا فشيئا إلى أن بلغوا درجة الكمال. تصوري أن الممثل السينمائي أستهل حياته في ستوديو مصر بعشرة جنيهات في الشهر؛ وهو يتقاضى اليوم خمسة عشر ألف جنيه لاشتراكه في فيلم من الأفلام. . التضحية يا آنستي هي مفتاح النجاح والسعادة. . .
هيا ضعي يدك في أيدينا، وقولي توكلت على الله. نحن عشاق فن مثلك، ومبتدئون تشجعي واعملي معنا. . لا تجعلي المال رائدك الآن. وثقي بأنه سيأتي عليك يوم ترفلين فيه بأثواب السعادة والهناء، وسننشر صيتك في كل أقطار العرب، وسيصير لك معجبون، وسترد لك الرسائل من كل حدب وصوب تحمل لك عبارات الثناء والإطراء، والكل يطلب رسمك أو توقيعك، وأنت لا تبخلين عليهم بذلك مطلقا. . . وإذا ما خرجت بسيارتك وقف الناس على جانبي الطريق يهتفون لك وأنت توزعين عليهم الابتسامات ذات اليمين وذات الشمال!
هيا يا فتاتي شمري الردن عن ساعد الفن!. . . أما شروط الاتفاق فستكون مدار حديثنا هذا المساء على مائدة العشاء.
وتركت حمدي أفندي على أن أعود إليه. . .
قلت لسلمى: أيتها الفتاة، احذري المدينة، ولا تغرنك مظاهرها، فهي أشبه بالمستنقع الذي تنمو على سطحه الحشائش الطرية الرقيقة، وأزاهير اللينوفر والأقحوان، فيظنها الإنسان مرتعا من مراتع أمنا الطبيعة، فينطرح عليها طالبا متعة النفس وراحة الجسم، فإذا بالأزاهير تغوص، وبالحشائش تزول، ويظهر مكانها حمأ أسود تنبعث منه رائحة المياة الآسنة، وهيهات للإنسان أن ينجو من براثنه، فهو كلما حاول الإفلات من الحمأ تشبث به وامتصه قليلا فقليلا حتى يختفي تماما.
قالت الفتاة: إني لا أفقه شيئا مما تقول، جئت المدينة لأكون ممثلة أو مطربة وأنت تحدثني