٤: إن الواقع يصف لنا حاجة الأمم الماسة إلى التوسع، وبسط النفوذ نتيجة لزيادة الإنتاج وكثافة النسل.
وتنتهي النظرية بالدعوة إلى وجوب إنشاء إمبراطورية واحدة تضم جميع هذه الشعوب التي كتب لها ابيضاض الجلدة وصفاء الدم فتهيمن على العالم وتسيره بإرادتها الجبارة.
وقع النظرية في فرنسا:
لم يؤبه للنظرية عندما نشرت في فرنسا، ولم تلق شيئاً قليلاً أو كثيراً من الاهتمام، الأمر الذي أسقط في يد صاحبها ووقع في خيبة شديدة على عكس ما كان يؤمله ويرتجيه، بل كانت مثار للهزء والضحك الشديدين، فكل ما قيل فيها أن الكونت دي غوبينو وهو من الأشراف أراد أن يثأر لأهل طبقته التي تدهورت عزتها هي والجاه الذي حملته دهراً طويلاً؛ بل إن الكتاب الذي أصدره الكونت نفسه فيما بعد عن قراءة الخطوط على أشكالها المختلفة أي قراءة ما يكتب بالعكس، وبشكل عمودي أو مائل وغير ذلك كان له وقع أكبر من النظرية للبراعة التي أظهرها الكاتب في هذا المضمار لدى غواة هذا الفن.
وإذا أردنا أن ننصف النظرية لا نجد أنها أتت بشيْ جديد فلم ينتظر الأنبياء وكبار المتشرعين أو القواد الفاتحون من الاسكندر المقدوني إلى يوليوس قيصر إلى شارلمان إلى نابليون أن يطمعوا في جمع العالم في إمبراطورية تحت إمرة واحدة. ويظهر بطلان النظرية وفساد دعواها من تجريد الشعوب السامية عن كل سؤدد ومجد، وقد دلت هذه الشعوب في مختلف أدوار التاريخ على تقدمها ونجاحها. وليس أدل على ذلك من هذه المدنيات الباهرات التي سطع نورها من شواطئْ النيل وما بين دجلة والفرات وفي رياض الشام وأنحاء العربية السعيدة في اليمن يوم كانت تلك النخبة المختارة من الجرمان والفرنك قبائل بربرية تعيش عيشة ابتدائية. ولقد كان يهون الأمر لو أن النظرية قدرت أن تبرهن على صفاء الدم وطهارة أي جنس من الأجناس البشرية عن الاختلاط بغيرها.
وقع النظرية في ألمانيا:
ظل الكونت دي غوبينو حياته مسافراً متنقلاً من بلد إلى بلد ومن عاصمة إلى عاصمة،