للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تودع عهد الانتداب، عهد الجهاد والعذاب، لتستقبل عهد الحرية، عهد البناء. ونهضت دمشق تسبق الفجر الطالع تؤم الشوارع التي يعرض فيها جيش العروبة، فما طلعت الشمس وفي النوافذ والشرفات وعلى ظهور البنى والعمارات، في شارع فاروق وفؤاد والجامعة السورية والسنجقدار، وميدان المرجة وضفاف النهر، وفوق قباب التكية السليمانية، وعلى أشجار المسالك، وفي كل مكان يشرف عل الطريق، ما طلعت الشمس وفي ذلك كله شبر واحد خال من رجل إنسان قد قام لينظر ويتطلع، وأجر المقعد الواحد بعشر ليرات، ومكان الوقوف بليرتين. فكان هذا المنظر أحد الأعاجيب.

ونصب الفسطاط، واجتمعت تحته الأقطار العربية كلها، جاءت وفود ملوكها وأمرائها من القاهرة والرياض وبغداد وبيروت وعمان، وصنعاء والقدس، يهنئونها في عيدها ويشاركونها في أفراحها، ويقبسون أول شعاعة من شمس الحرية التي أشرقت على العرب بعد ليل طويل، وكان مشرقها دمشق.

قفوا لحظة على هذا الفسطاط فإنها ستقف عليه الأجيال، إنه سيقدسه التاريخ، إنه سيكون لنا كما كانت حطين للجدود.

إنها ساعة حاسمة في تاريخ العالم، فقد تحرك فيها الفلك، وانقلبت فيها تقويم البشر ورقة جديدة. إن الأيام ما زالت سجالاً بين الشرق والغرب، والدنيا بينهما نوباً: قام الشرق يحمل منار الحضارة وسيف الظفر بأيدي المصريين والبابليين والحيثيين والفينيقيين، ثم انتقلا إلى الغربيين إلى اليونان والرومانيين، ثم عادا إلى الشرق الذي أيقظه محمد، إلى المسلمين، ثم آبا إلى الغرب لما ترك الشرقيون هدى محمد، وهاهما يتحركان الآن، ليعودا إلى الشرق. . .

وعز الشرق أوله دمشق. . .

لقد ضاع حلمك ياغورو، وتبدد، وخابت أمانيك يا دي غول، وحقق الله الأمنية التي كان يجيش بها صدر يوسف العظمة، شهيد ميسلون، وسيحقق أماني سعد ورشيد وعبد الكريم وعمر المختار وعبد القادر وجناج في الهند، ولم لا؟ وأهل سورية التي نعمت بالجلاء لا يزيدون إلا قليلاً عن سكان القاهرة اليوم، والعرب كلهم بدولهم وحكوماتهم. . . أقل من مسلمي الهند!

<<  <  ج:
ص:  >  >>